سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٤٠) (الشورى) فجعل الانتقام بمثل الإساءة ، فإن اعترف الباغى بالزلّة وسأل المغفرة ، فالعفو أفضل ، وفى ذلك نزل قوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٢٣٧) (البقرة) ، وقوله : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (٢٢) (النور) ، وأكد الله تعالى حق المظلوم فى الانتصار عند تمادى الباغى فى الظلم ، فقال : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٢) (الشورى) ، فامتدح من انتصر ممن بغى عليه من غير اعتداء بالزيادة ، وسمّى الجزاء سيئة لأنه فى مقابلتها ، والانتصار من المعتدى غير المسلم حتم ، ومن المسلم مباح ، والعفو مندوب.
والباغى قد يكون فردا ، كما قد يكون جماعة أو دولة ، فأما إن كان فردا فحكمه ما سبق ، وأما إن كان جماعة كالجماعة التى منعت الزكاة وقاتلها أبو بكر ، أو كانت دولة كدولة معاوية التى خرجت على علىّ ، كبغى العراق على الكويت ، فهذه جاء فيها فى التنزيل قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩) (الحجرات). ولا يعامل المسلمون جماعة البغى من المسلمين كأعداء ، وجريحهم ومدبّرهم لا يقتلان ، ولا تغنم أموالهم ، ولا تسبى نساءهم وذراريهم ، ولا يضمنون ما اتلفوا فى الحرب من الأنفس والأموال ، ويغسّل من يقتل منهم ويكفّن ويصلّى عليه. وأهل العدل نقيض أهل البغى ، ولا ينطبق وصف البغاة على الثوار على الحاكم الظالم. ويشترط فى البغاة لكى يصحّ عليهم هذا الاسم أن يكون خروجهم للدنيا ، وللحصول على الحكم ، ومنازعة الشرعية الدستورية ، وهذا الخروج يسمى محاربة. ولا يعدّ من البغاة الخارجون الذين لا يحملون السلاح ، وليست لهم قوة ، وليسوا جماعة سياسية لهم زعامة وقيادة ومطالب ودعاوى. والمحارب يخضع لأحكام آية المحاربة التى تقول : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٤) (المائدة).
* * *
١٥٥٤ ـ دار الإسلام ودار الحرب
يقال دار الإسلام ، ودار إسلام ، وديار الإسلام فى الجمع ؛ والدار هى البلد ، ودار