مظلوما لا يغسّل ، ولكن يصلّى عليه ، ولمّا قتل عمّار بن ياسر فى صفّين لم يغسله علىّ. وقيل : مات مظلوما ، ولا يغسّل قتيل البغاة ، والصحيح أن غسل الموتى ثابت عقلا وبالإجماع ، وهو سنة ثابتة. والآية فيها عظم ثواب القتل فى سبيل الله ، وأن الشهادة تكفّر الذنوب ، وفى الحديث : «القتل فى سبيل الله يكفّر كل شىء إلا الدّين» ، والحديث غير معقول ، فهل الدّين أكبر وأقيم من الشهادة؟! وقيل : المدين وإن قتل شهيدا لا يدخل الجنة حتى يقضى عنه دينه ، فأين يكون إذن؟ وعنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أرواح الشهداء على نهر بباب الجنة يقال له بارق ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا ، وقال : «شهيد البحر مثل شهيد البرّ ؛ والمائد فى البحر (أى الذى يموت من دوار البحر) كالمتشخّط فى دمه فى البرّ (أى الذى يتخبّط فى دمه).
والأولياء عند الله تعالى مراتب ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٦٩) (النساء) ، فأولى المراتب للأنبياء ، ثم للصّديقين ، ثم للشهداء ، ثم للصالحين ؛ فالشهداء فى المرتبة الثالثة. والصالحون هم صالحو أمة الإسلام ، واللفظ يعمّ كل هؤلاء السابقين. والرفيق هو الصاحب يرتفق صاحبه ، ولأنهم يرتفقون بعضهم البعض فإنهم رفقة ، وهؤلاء السابقون أصحاب المراتب الأربع رفقة الشهيد فى الجنة.
* * *
١٥٥٣ ـ دار البغى
البغى : هو الظلم وتجاوز الحدّ فيه ، وأن يقع الرجل فى الرجل فيتكلم فيه ويبغى عليه بغير الحق ، كقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) (٣٣) (الأعراف) ، فأخرج البغى من الفواحش وهو منها ، لعظم البغى وفحشه ، فنصّ على ذكره وحده ، وقرنه بالإثم تأكيدا لأمره ، وقصدا للزجر عنه. ودار البغى أو أرض البغاة : هى البلاد التى يحكمها البغاة أو أهل البغى ـ أى الطواغيت الظلمة ، وقوانينها قوانين باغية ، وكانت مكة تحت حكم المشركين دار بغى ، بغى أهلها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وآذوه وأخرجوه وأصحابه. وذكر الله الانتصار فى البغى فقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (٣٩) (الشورى) ، والآية عامة فى بغى كل باغ ، والمسلم لا يرضى بالظلم ولا يستسلم له ، ومأمور أن يتصدّى للباغى المعلن للفجور ، الوقح فى الجمهور ، والمؤذى للصغير والكبير ، فيكون الانتقام منه أفضل ، والمسلمون يكرهون أن يذلّوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفسّاق ، والآية فيمن تعدّى فى البغى وأصرّ عليه ، ويأتى عقبها : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ