تعالى يقول : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١٠) (الأنفال) ، ويقول : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) (البقرة ٢٥١) ، ونصره تعالى إنما لأهل الحق ، فإن بدا أحيانا أن أهل الباطل ينتصرون ، فليس انتصارهم نصرا ولكنه إملاء محفوف بخذلان وسوء عاقبة وخسران ، كقوله تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) (١٨) (الأنبياء) أى يبين الحجة ويظهرها وإن كان بعد لأى ، والنصر من عند الله مرة يكون بالقوة ، ومرة بالحجة ، وفى كل الحالات ينصر الله أهل الحق ، كقوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٤٧) (الروم) ، وهذه العبارة هى خلاصة كل حروب الإنسانية من يوم أن خلق الله الخلق.
* * *
١٥٥٢ ـ الاستشهاد فى سبيل الله
الاستشهاد من شهد يعنى أخبر به خبرا قاطعا ؛ واستشهد تعرّض أن يقتل فى سبيل الله ؛ واستشهد : قتل شهيدا ؛ والشهيد والشهيدة من قتل فى سبيل الله ، والجمع شهداء ، والاسم الشهادة ، وسمّى الشهيد بذلك لقيامه بشهادة الحق فى أمر الله ، كقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٧١) (آل عمران) ، وفى الآيات إخبار بأن الاستشهاد أكبر نعمة من الله يمكن أن يرزق بها المؤمن ، وأن الشهداء أحياء فى الجنة يرزقون ، ولا محالة أنهم ماتوا ، وأن أجسادهم فى التراب ، ولكن الله يؤكد لنا أن أرواحهم حيّة كأرواح سائر المؤمنين ، وأنهم فضّلوا بالرزق فى الجنة من وقت القتل ، كأن حياة الدنيا دائمة لهم. وقيل : إن أرواحهم تردّ إليهم فى القبور فينعمون ، كما يحيا الكفار فى قبورهم فيعذّبون. وقيل : الكلام فى الآية على المجاز ، ويعنى أنهم فى حكم الله ، مستحقون للتنعّم فى الجنة ، كما فى قولنا إن فلانا ما مات ، لأن ذكراه باقية ، كقول الشاعر :
موت التّقىّ حياة لا فناء لها |
|
قد مات قوم وهم فى الناس أحياء |
فالمعنى أنهم يرزقون الثناء الجميل. والشهيد حاله فى الغسل والصلاة كحال الأحياء ، فهو يغسّل ويصلّى عليه مثلهم ، إلا قتيل المعترك ، وفى الحديث : «ادفنوهم بدمائهم» ، ودفن الشهداء يوم أحد ولم يغسّلوا ولا صلّى عليهم. وقيل : إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم صلّى على حمزة وسائر شهداء أحد ، وقيل : لم يغسّل شهداء أحد ، وكان يجمع بين الشهيدين فى ثوب واحد ، ويدفنان بدمائهما ، ويقدّم الأقرأ للقرآن ، ولم يصلّ على أىّ منهم. وقيل : من يقتل