الوليد : فلا يقتلنّ ذرية ، ولا عسيفا ـ أى أجيرا ـ ولا امرأة» ، ونهى عن النّهبى والمثلة ـ من النهب وهو الاستيلاء عنوة وقهرا ، والمثلة هى التنكيل. وفى وصية أبى بكر لأسامة قال : «لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثّلوا ، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ، ولا شيخا كبيرا ، ولا امرأة ، ولا تعقروا نخلا ، ولا تحرّقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ، ولا بقرة ، ولا بعيرا ، إلا لمأكلة ، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم فى الصوامع (أى الرهبان) فدعوهم لما فرّغوا أنفسهم له». وأصدر عمر أوامره على نفس المنوال ، قال : «لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا ، واتّقوا الله فى الفلاحين» ، وقال : «ولا تقتلوا هرما ، ولا امرأة ، ولا وليدا ، وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزحفان ، وعند شن الغارات».
وبعد ، فهذه هى تعاليم القرآن ، ومبادئ السنّة المشتقة من القرآن ، والتى تمثّلها المسلمون ، وكانت دائما القاعدة السلوكية لهم فى الحرب لا يشذّون عنها ، وهذه هى إملاءات حضارة الإسلام ، فأين منها ما يفعل الآن بالمسلمين باسم صراع الحضارات؟ وأين هذه السلوكيات الراقية من دعواهم فى المسلمين بأنهم برابرة بينما هم المتحضرون؟!
* * *
١٥٤٦ ـ الحرب خدعة
الحديث للرسول صلىاللهعليهوسلم قال : «الحرب خدعة» ، بضم الخاء أو فتحها ، والأصح بالفتحة ، والله قد أمر بخداع أعداء الإسلام ، فلأنهم يلجئون للخداع ، فعلينا أن نخدعهم ، وخداعهم باطل ، وخداعنا حق ، والله تعالى ، وهو الحق يخادعهم ، يقول : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (١٤٢) (النساء) ، ويقول : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (٩) (البقرة) ، ويقول : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) (٦٢) (الأنفال) ، والخداع فى الحرب : هو استعمال الحيلة ، وما أمر المسلمون باللجوء للخداع إلا لأن العدو فى طبيعته الخداع ، والحروب أصلا قوامها الخداع ، والخداع إن كان من المسلمين فالآيات والحديث تحضّ عليه ، وإن كان من أعداء الإسلام فكأنه يحذرهم من مكرهم ، فلا ينبغى التهاون بهم ، لأن التهاون مفسدة ولو قلّ. وخداع العدو فى الحرب جائز كيف أمكن ، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز. وفى الآيات والحديث إشارة إلى استعمال الرأى فى الحرب ، فلأنها خدعة وجبت فيها المشورة ، والاحتياج للرأى آكد فى الحرب من الشجاعة ، والمخادعة أفضل فى نتائجها من المواجهة ، لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة ، بشرط أن لا تكون مخادعة ساذجة وإنما جيدة لصاحبها ، كاملة فى مقصودها.
* * *