له ميراثا» ، والتوريث فعلا لم يقع للجار ، إلا أن الميراث قسمان : حسّى ومعنوى ، والحسّى هو المشاركة فى المال بفرض سهم ، ولم يفرضه الله للجار ؛ والمعنوى هو ميراث العلم ، ومن حق الجار على الجار أن يعلّمه إن احتاج إلى التعليم ، وأن يعلمه إن احتاج للإعلام. والجيران مراتب ، فمنهم الفاسق والعابد ، والصديق والعدو ، والأجنبى والقريب ، والغريب وابن البلد ، والنافع والضار ، والأقرب دارا والأبعد ، ومنهم من تجتمع فيه صفات أكثر من الباقين ، والأجدى معهم أن يعطى كلّ حقه بحسب حاله. وفى الحديث : «الجيران ثلاثة : جار له حق ـ وهو المشرك له حقّ الجوار ؛ وجار له حقّان ـ وهو المسلم له حقّ الجوار وحقّ الإسلام ؛ وجار له ثلاثة حقوق ـ وهو المسلم ذو القرابة ـ له حقّ الجوار ، وحقّ الإسلام ، وحقّ الرحم». والجار يطلق يراد به الداخل فى الجوار ، ويطلق ويراد به المجاور فى الدار وهو الأغلب. وحفظ الجار من كمال الإيمان ، وكان أهل الجاهلية يحفظون للجار حقّه ، وأنزل الله فى هذا الحق الآيات ، وأوصى ورسوله صلىاللهعليهوسلم بالإحسان إليه بحسب الطاقة ، كالهدية ، والسلام ، وطلاقة الوجه عند اللقاء ، وتفقّد الحال ، والمعاونة عند الحاجة ، وكفّ أسباب الأذى ، ونفى صلىاللهعليهوسلم الإيمان عمّن لا يأمن جاره أذاه فقال ثلاث مرات : «والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن» ، فسئل : من يا رسول الله؟ قال : «الذى لا يأمن جاره بوائقه» أخرجه البخارى. وفى الحديث تأكيد لحق الجار ، لقسمه صلىاللهعليهوسلم وتكرير اليمين ثلاث مرات ، ونفيه الإيمان عمّن يؤذى جاره بالقول أو الفعل. ولمّا سألت عائشة النبىّ صلىاللهعليهوسلم عمّن تبدأ به من جيرانها فى الهدية ، أخبرها أن من قرب بابه فإنه أولى من غيره. وحدّ الجيرة الذى قال به الرسول صلىاللهعليهوسلم أربعون دارا ، وفى الآية : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) (٦٠) (الأحزاب) أن المدينة التى يسكن فيها المسلم كلها جوار ، غير أن الألصق هو الأولى ، ومن يصلى معك صلاة الصبح فى المسجد فهو جار ، وفى الحديث : «يا نساء المسلمات : لا تحقّرن جارة لجارتها» ، أى لا تحقرن أن تهدى الجارة إلى جارتها شيئا ، وهو كناية عن التحابب والتوادد ، وخصّ النساء لأنهن موارد المودة والبغضاء ، وقال صلىاللهعليهوسلم فى حقوق الجار : «إن استقرضك أقرضته ، وإن استعانك أعنته ، وإن احتاج أعطيته ، وإن مرض عدته ، وإن مات تبعت جنازته ، وإن أصابه خير سرّك وهنّيته ، وإن أصابته مصيبة ساءتك وعزّيته ، ولا تؤذه بقتار قدرك (رائحة الطبخ لطعامك) إلا أن تغرف له منها ، ولا تستطل عليه بالبناء لتشرف عليه وتسدّ عليه الريح إلا بإذنه ، وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها ، وإلا فأدخلها سرّا ، ولا يخرج ولدك بشيء منه يغيظون به ولده ـ هل تفقهون ما أقول لكم؟ لن يؤدّى حقّ الجار إلا القليل ممن رحم الله!». ويستوى فى ذلك الصاحب بالجنب ، وهو زميل العمل ، ومثلهما ابن السبيل ، وما ملكت اليمين ، وهم الآن الشغّيلة والعمّال والخدم ، وفى الحديث : «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم» يحضّ على