عدالة الأجور وكفايتها ، وحسن المعاملة ، والتكليف بما فى الوسع من العمل ، والمساعدة عليه ، وهذا درس آخر مستفاد من دروس الاشتراكية فى الإسلام ، فمن يعمل بهذه الوصايا فهو المؤمن حقا ، ومن لا يعمل بها فإنما لصفات سيئة فيه أبرزها : الخيلاء والتفاخر ، والأولى تدفع إلى التكبّر عن الإحسان ، والثانية تجعله يتعاظم على الناس ويرى فى الإحسان حطة له لا تليق به ، والصفتان لا يحبهما الله ولا يحب من كانت فيه.
* * *
١٤٨٤ ـ السلوك مع اليتيم
يأتى عن اليتيم واليتامى فى القرآن ٢٢ مرة ، كقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (١٥٢) (الأنعام) ، أى لا تستعملوه إلا بما فيه صلاحه ويكون به استثماره أحسن استثمار ، إلى أن يبلغ اليتيم رشده فيدفع إليه المال ، كقوله : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) (٦) (النساء) ، والآية بيان لكيفية دفع أموال اليتامى إليهم باختبار نجابتهم ومعرفتهم بما فيه مصالحهم ، ويجب على الوصى تسليم اليتيم جميع ماله بارتفاع الولاية عنه ، إلا السفهاء لقوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٥) (النساء). وللوصى أن يصنع فى مال اليتيم ما كان للأب أن يصنعه من تجارة وشراء وبيع بموافقة المجلس الحسبى ، وعليه أن يؤدى الزكاة من سائر أمواله. ولمّا سئل النبىّ صلىاللهعليهوسلم عن اليتامى أتاه الجواب : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) (٢٢٠) (البقرة) يعنى يجوز للكفيل أو الوصى التصرف فى مال اليتيم بما فيه صلاحه ؛ ومخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم مال ويشقّ على وصيّه أو كافله أن يفرد معيشته بمعزل عن عياله ، فيضمه إليهم ، فيأخذ من ماله ما يرى أنه كافيه ، ويجعله مع نفقة أهله. وفى الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠) (النساء) ، وهؤلاء هم الذين دأبوا على أن لا يورثوا البنات ولا الصبيان ، وسمّى الله تعالى أخذهم لمال اليتامى بأنه «أكل» وخصّ البطون بالذكر لتبيين نقصهم والتشنيع عليهم ، وسمّى المأكول نارا بما يئول إليه. والآية من آيات الوعيد.
وخصّ الله اليتامى بالإنفاق من مال الدولة حينما لا يكون لهم مال ، فجعلهم ضمن المصارف الاجتماعية لما تتحصله الدولة من ضرائب ، وفى الآية خصّهم بالخمس ، قال : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (٤١) (الأنفال) وإلا كان المال دولة ـ أى وقفا ـ على الأغنياء دون الفقراء. والضرائب مغانم للحكومة تعيد بها