الحبل السرّى إلى ما كان عليه وإنما نفسيا ، وقاطع الرحم هو قاطع لهذا الحبل وجزاؤه أن لا يدخل الجنة ، وفى الحديث : «إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع الرحم» ، وذلك أن الرحمة من الرحم ، فمن قطع الرحم قطع عن نفسه الرحمة ، وقوله : «لا تنزل على قوم» يقصد بالقوم من يساعدون قاطع الرحم على قطعها ولا ينكرون عليه. والأرحام هم الأقارب من جهة الأم ، وخاصة الأخوات والإخوة ، وفى التنزيل : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٢٢) (محمد) يقصد بها من يسعى فى قطع الأرحام ، وفى الحديث : «ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها» ، والمكافئ يعنى الذى إذا زاره أقاربه زارهم ، واحدة بواحدة ، والوصل ليس أن تصل من وصلك ، ولكنه أن تصل من قطعك. فهذا من أصول علم الاجتماع الإسلامى ، وهو بعض بركات الأم ، وأن يرتبط الناس بالحبال السرّية التى كانوا يرتبطون بها وهم فى بطون أمهاتهم ، ومن الأحاديث العظيمة فى صلة الأرحام الحديث : «بلّوا أرحامكم ولو بالسلام» وقوله «بلّوا» من «البلل» أى السقى ، شبّه الرحم بالأرض التى إذا وقع عليها الماء وسقاها ، أزهرت ورؤيت فيها النضارة ، فأثمرت المحبة والصفاء ، وإذا تركت بغير سقى يبست وبطلت منفعتها فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء.
* * *
١٤٨٣ ـ الوصية بالأهل والجيران والأصحاب والزملاء والشغيلة
أجمع أهل العلم على أن الآية : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) (٣٦) (النساء) من المحكم المتفق عليه ، وفيها الإعلان بانقضاء العبودية لغير الله ، والآية على ذلك أصل فى خلوص الأعمال لله ، ومنها الإحسان للوالدين : وفى الحديث : «رضى الربّ فى رضى الوالدين ، وسخطه فى سخط الوالدين» ؛ ولذى القربى : أى القربات بصلة أرحامهم ؛ ولليتامى : جمع يتيم ، ويقال عن الطفل عند فقد الأب أو الأم أو فقدهما معا ، وفى الحديث : «كافل اليتيم ، له أو لغيره ، أنا وهو كهاتين فى الجنة» وأشار بالسبابة والوسطى ؛ وللمساكين : وهم الذى أسكنتهم الحاجة وأذلّتهم ، وفى الحديث : «الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله أو القائم لا يفتر ، وكالصائم لا يفطر» ؛ وللجار ذى القربى والجار الجنب : والأول هو الجار القريب ، والثانى هو الجار الغريب أو البعيد ، وقيل الأول هو الجار المسلم ، والثانى هو الجار غير المسلم ، والإحسان إلى الجار مأمور بها ، ومندوب إليها ، مسلما كان أو غير مسلم ؛ بالمواساة ، وحسن العشرة ، وكفّ الأذى ، والمحاماة دونه ، وفى الحديث : «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» أخرجه البخارى ، وفى رواية : «حتى ظننت أنه يجعل