أهلها أن يطعموهما وليس ذلك من العقل ولا من الحكمة ، وكلها أعمال كانت فى حاجة إلى تفسير ، وفى الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن علم موسى والخضر ، وعلم الله تعالى ، أن الخضر قال : «ما علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر» ، يريد أن الله تعالى له علمه ، والخضر له علمه ، وموسى له علمه ، وعلمه تعالى هو مطلق العلم ، وبعلمه تعالى فطر الإنسان على الأخلاق ، فالأخلاق من عند الله ، والأخلاق هى لبّ كل العلوم ، والأخلاق تترجم عن قيم ، والقيم جميعها خلقها الله ووضع ناموسها ، وعلم الخضر بها هو العلم الذى يتجاوز الأخلاق الإنسانية إلى الأخلاق المطلقة ، ولذلك قتل الخضر الغلام ، وخرق السفينة ، ولم يعتبر أيا من ذلك عملا لا أخلاقيا ، واعتبره موسى من الأعمال اللاأخلاقية ، وعلم الخضر لذلك هو علم لدنّى ، أى من لدنّ الله ، أى علم يتجاوز العلم ، وهو الحكمة الإلهية ، بينما علم موسى هو العلم التكليفى الشرعى : افعل ولا تفعل ، والله تعالى قد كلف الناس أن لا يقتلوا ، وأن لا يسعوا فى الأرض فسادا. ونفهم من آيات سورة الكهف وغيرها من السور ، أن فلسفة القرآن ، أو فلسفة الإسلام ، فلسفة مثالية أخلاقية ، تفترض أن للإنسان ملكة أخلاقيةmoral faculty ، له بها الحدس المباشر بالحقائق والصفات الأخلاقية التى تنبه إليها تكليفاته تعالى ، وبالتربية القرآنية يتقوّى النزوع الفطرى الباطن فى الإنسان نحو استحسان بعض الأفعال ، واستهجان البعض الآخر ، والقدرة على تقويم الأفعال ببواعثها ، وليس بنتائجها. ومن مجمل سور القرآن : أن الفعل الأخلاقى هو الفعل الحرّ الذى يقوم على الإرادة الحرّة الإنسانية ، ومجال حرية الإنسان وجوهره كأعظم مخلوقات الله هى فى ممارسة إرادته الحرة ، كما أن الطبيعة والكون كله هما مسرح الإرادة الحرّة لله تعالى. والأفعال التى تصدر عن الإنسان إما أنها أفعال تلقائية لا إرادية فطره الله بها ، وأداؤها موكول إلى الله تعالى ، كالتنفّس ، وضربات القلب ، والنمو ، والحزن ، والفرح ، والرغبة ، والطموح ، وكل منها يدفع إليه دافع فطرى واحد ، إلا الأفعال الإرادية ، وهى النوع الثانى من الأفعال الصادرة عن البشر ، وشرطها أن يكون لها أكثر من باعث ، وتكون هناك مفاضلة حرة بين البواعث ، ويختار الإنسان من بينها ما يناسبه فى حرية ، وهو مسئول عن اختياره تماما ، والخير هو اختيار الباعث الأسمى نسبيا. وكذلك لم يكن هناك أدنى تثريب على ما فعل الخضر ، لأن ما فعله هو اختياره. بناء على الباعث الأسمى بالنسبة له. والباعث الأسمى فى سلّم الدوافع عند موسى ، وعند بنى البشر ، هو الباعث الأخلاقى ، ويتلو ذلك بواعث أخرى أقل أهمية فأقل. ولما وصف القرآن فعل النبىّ صلىاللهعليهوسلم قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) (القلم) ، والرسول صلىاللهعليهوسلم أسوة وقدوة ، كقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٢١) (الأحزاب) ، يعنى أنه هكذا ينبغى أن يكون خلق المسلم ، وقالت عائشة : «إن خلقه صلىاللهعليهوسلم كان القرآن» ، وقال علىّ : «إن أدبه صلىاللهعليهوسلم هو