قائمة الکتاب
إعدادات
موسوعة القرآن العظيم [ ج ٢ ]
موسوعة القرآن العظيم [ ج ٢ ]
تحمیل
علىّ : «إن أدبه صلىاللهعليهوسلم هو أدب القرآن» ، والخلق فى القرآن هو أوامره تعالى ونواهيه ، وأدب القرآن هو السلوكيات التى دعا الناس أن يأتوها ، والتى بإتيانها يتشكّل طبع المسلم ، ويصبح ما كان خلقا مدعوا إليه ، طبعا متأصّلا فيه. وحقيقة الخلق فى اللغة : أنها ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب ، فيصير باستمرار الأخذ به كالخلقة فيه. والإنسان مجبول على حبّ الخير ، وخلقة الخير فيه هى ما نسميه الطبيعة أو السجية ، والسجية السيئة أو الطبيعة الشريرة هى خلق متكلّف ، كقوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٦) (التين) ، أى أن خلقته كانت أحسن الخلق ، فلم يكن له تعالى خلق أحسن من الإنسان ، فخلقه تعالى عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ، مدبّرا ، حكيما ، وهذه صفات الربّ سبحانه ، ولذا جاء القول المشهور : «إن الله خلق آدم على صورته» ، يعنى على صفاته ، وفى رواية «على صورة الرحمن» ، وهو صورة معنوية وليست متشخّصة ، ومن أين تكون صورته تعالى متشخّصة؟ وأنّى لنا أن نحيط علما بشيء كهذا؟ فلم يبق إلا أن تكون هذه الصورة «معان». والإنسان هو أحسن ما خلقه تعالى باطنا وظاهرا ، لجمال هيئته ، وبديع تركيبه ، فالرأس بما فيه ، والصدر بما جمعه ، والبطن بما حواه ، واليدان وما تصنعان ، والرّجلان وما تحتملان ، ولذلك قال الفلاسفة فيه : «الإنسان هو العالم الأصغر ، وهذا الكون جميعه هو العالم الأكبر. فهذا ما نعنى به جبلّة الإنسان وسجيته وفطرته وطبيعته ، وأما شرّه ، وفساده ، وعصيانه وفسوقه ، وذنوبه وآثامه وخطاياه وضلاله ، فكل ذلك كان له خلقا متكلّفا ، لمّا هجر العقل الذى يعقله عن النقائص ، وتابع الهوى الذى يردى النفس ، وهو قوله تعالى : (رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٥) (التين) ، فلما خرج عن الصراط ضلّ وأضلّ ، إلا من تاب وأناب إلى ربّه وعمل صالحا ، وهو قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٦) (التين) ، وفى ذلك المعنى الأخير قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٣) (العصر) ، فالعودة بالإنسان إلى خلقته الجبلّية لا بدّ فيها من العودة إلى الله ، وهذا مضمون الدعوة الإسلامية ، وما اشتملت عليه رسالة القرآن ، فقوام الحياة بالأخلاق ، وقوام الأخلاق بالدين ، ونظرية الأخلاق فى القرآن نظرية فى الدين.
* * *
١٤٨١ ـ وصيته تعالى بالوالدين
شدّد الله تعالى فى التوصية بالوالدين فى ثلاثة مواضع ، فى الأول قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨) (العنكبوت) ؛ وفى الثانى قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ