(عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (٥٢) (طه). وعن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لمّا قضى الله الخلق كتب فى كتابه على نفسه ـ فهو موضوع عنده : إن رحمتى تغلب غضبى» أخرجه مسلم. وشكا أنصارىّ أنه يستمع الحديث فيعجبه ولا يستطيع أن يحفظه ، فقال له : «استعن بيمينك» وأومأ إلى الخط. وأمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم بكتابة خطبته فى الحج ، وعهد ذلك إلى أبى شاه اليمنى ، وقال : «قيّدوا العلم بالكتابة» فصار هذا الحديث شعارا إسلاميا. وفى الأمثال : من لم يكتب العلم لم يعدّ علمه علما. ولم يتخوّف العرب من كتابة أى علم إلا الحديث ، لئلا يختلط بالقرآن ، أو حتى لا يجعل قرآنا ، ولذا كان بعضهم يؤثر الحفظ الشفهى ، وكان بعضهم يكتب الحديث إلى أن يحفظه ، فإذا حفظه محاه ، وبعضهم قال ما كتبت إلا حديث الأعماق ثم محوته ، وحديث الأعماق أخرجه مسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق» ، وكتب بعضهم وحفظ فى نفس الوقت. وعن الكتابة جاء فى القرآن قوله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (١٤٥) (الأعراف) ، وقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (١٠٥) (الأنبياء) ، وقوله : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) (١٥٦) (الأعراف) ، إلى غير ذلك من الآيات. ولا يضبط العلم إلا بكتابته : ومن طريقها تتيسر المقابلة بين العلوم ، وتسهل المدارسة ، ويكون التعهّد والحفظ والمذاكرة ، والسؤال والفحص عن الناقلين والكاتبين والقائلين. وتقييد العلم بالكتابة أولى وأكمل ، ووجوبه أقوى. وعند ما قال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «لا تكتبوا عنى ومن كتب غير القرآن فليمحه» ، كان المقصود الحديث ، وكان ذلك فى بداية الدعوة ، فلما كثرت الأحاديث وكثر القرآن ، كان لا بد من كتابة كل شىء. وفى المجال الدينى كانت الكتابة ضرورة لئلا يخلط بالقرآن ما ليس منه ، وميّز الحديث عن القرآن ، فكان الحديث يكتب بالسواد أو المداد الأسود ، والسواد أصبغ الألوان ، والحبر أبقاها. والقلم آلة ذوى العلم فى الكتابة ، وهو عدّة أهل المعرفة. وقيل فى الحبر وقتها هو سواد فى الأبصار ، وبياض فى البصائر ، وحبر الكاتب على يديه وثوبه مثل الطيب فى ثوب العروس ، كقول القائل :
مداد المحابر طيب الرجال |
|
وطيب النساء من الزعفران |
* * *
١٤٧٧ ـ القلم والكتابة
القلم والأقلام يأتيان فى القرآن أربع مرات ، والقلم اسم سورة هى سورة القلم ، وترتيبها فى المصحف ٦٨ ، وهى مكية إلا من الآية ١٧ إلى الآية ٣٣ ، ومن الآية ٤٨ إلى الآية ٥٠ فمدنية ، وآياتها ٥٢ آية ، وكان نزولها بعد العلق. وفى قوله : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) (القلم) فإن «ن» هى الدواة ، وفى الحديث : «أول ما خلق الله القلم ، ثم خلق النون