وهى الدواة ، ثم قال له (أى للقلم) اكتب ، قال : ما أكتب؟ قال : ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، من عمل ، أو أجل ، أو رزق ، أو أثر ، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة». قال : «ثم ختم فم القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة ..» رواه ابن كثير وابن عساكر ، وهو حديث رمزى ، وفى الغالب موضوع ، لأسباب سنذكرها لاحقا. والحديث فى رواية أخرى قال : «إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له اكتب ، فقال : يا ربّ ، وما أكتب؟ فقال : اكتب القدر ، فجرى القلم فى تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد». فالقلم نعمة من الله ، وهو فى السورة يقسم به لما فيه من البيان ، كما فى اللسان من بيان ، والقلم المعنىّ هو أى قلم ، سواء كان ربّانيا أو إنسيا. والقلم للكتابة : وفى قوله «وما يسطرون» أى ما يكتبون ويصطلحون عليه من لغات وخطوط ، فيسجل القلم الأحداث والحاجات والمخابرات والمعلومات ، ويرصد العلوم والآداب والمفاهيم والصنائع والفنون. والقلم للاقتراع : كقوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (٤٤) (آل عمران) ، والأقلام هى القداح والسهام ، وكانوا يلقونها فى الماء ، فمن لم يجرف الماء قلمه كان هو حاضن مريم. ومن ثم فإن الأقلام تكون ثلاثة : القلم الأول ، الذى خلقه الله بيده وأمره ـ كما قيل ـ أن يكتب ما هو كائن وسيكون ؛ والقلم الثانى هو قلم الملائكة يسجلون به أعمال الناس ؛ والقلم الثالث ، أقلام الناس يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها مآربهم.
وفى آية القلم فإن وجه القسم بالقلم النفى أن يكون محمد صلىاللهعليهوسلم مجنونا كما يشيعون ، فالمجنون لا يعى ما يقول الوحى ، ولا يحفظ منه شيئا ، ولا يهمه إن حفظ أو ضاع ، ولا يعنيه أن يسجله ويكتبه فى الدفاتر ويمليه على الأصحاب يحفظونه فى الصدور ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم وقد فعل كل ذلك يستحق الثناء والثواب ، وما فعله ينبئ عن صفات أخلاقية عالية ، وأنه أعقل العقلاء. والدرس المستفاد من الآية : أن أصحاب الأقلام مطلوب منهم أن يكونوا القدوة فى الأخلاق ، وأن يكون لنا فيهم أسوة حسنة ، وحقيقة الخلق أن يأخذ الإنسان نفسه بالأدب ، ونظرية الإسلام فى الأدب أساسها هذه المقولة القرآنية : أن القلم أشرف الأدوات ، وأنه مخلوق ربّانى ، وأن العالم فى بدايته استلزمه كأول شىء من أدواته ، وأن صاحب القلم هو صاحب خلق عظيم ، وأن الأدب ـ أى هذا الفرع من المعرفة ، فيه من الأدب الذى هو علم السلوك ، فلا أدب literature بدون أدب good conduct. والحديث السابق فى القلم أنه كتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة ، يتعارض مع الآية : (لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧) (لقمان) وورود هذه الآية فى سورة لقمان دليل على أنها من مصاف الحكم ، فقدرة الله تعالى ليست لها حدود ، وإبداعه وخلقه لا يتوقفان وليست لهما نهاية ، ولو كانت الأقلام التى يمكن استخراجها من كل أشجار الأرض ،