أخت أبى سفيان ، وعلّمها عرب مكة. ويجوز أن يكون مؤلفو هذه الرواية هم الأمويون ، لأسباب سياسية ، وليرجعوا الفضل إليهم. وإلا فإذا كان فضل تعليم الكتابة لأهل مكة يعود إليهم ، فمن علّم أهل المدينة؟ قيل : اليهود! فهل اليهود كانوا يعلّمون الكتابة العربية للعرب؟! والصحيح أن كل أمة فيها من يكتب ، ولم توجد أمة لا تكتب أبدا ، حتى فى الأدغال وقمم الجبال ، فمثل ما يتكلم الإنسان بطريقة ما ، وبألفاظ مفهومة من الآخرين ، فهو أيضا يكتب برسوم ونقوش يعرف رموزها الآخرون. والمهم أنه فى عصر النبىّ صلىاللهعليهوسلم كان هناك كثيرون يكتبون ويقرءون ـ حتى من بين العبيد ، وكذلك كان من النساء من يكتب ويقرأ مثل عائشة. وفى المدينة اشتهر من الكتّاب : المنذر بن عمرو ، وأبىّ بن وهب ، وعمرو بن سعيد ، وزيد بن ثابت. وجعل الإسلام للكتابة والقراءة شأنا وأى شأن ، وإلا فكيف سيقرأ القرآن؟ وما كان اسمه «القرآن» إلا ليقرأ. ونزلت أول آية : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) (العلق) تحضّ على القراءة والكتابة ، والآية دليل على أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ ويكتب ، ولم يكن أميا بمعنى «أمية القراءة والكتابة» ، ولكنه «أمى» بمعنى أنه من «الأمم» وليس عبرانيا ، وليس من «أهل الكتاب» ، وليس قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) (٤٨) (العنكبوت) أنه كان يجهل الكتابة والقراءة ، وإنما الآية تنفى عنه أنه كان يقرأ الكتب أو يخطها وخاصة كتابىّ التوراة والإنجيل ، وما كان قد ترجما إلى العربية ليقرأهما. غير أن تقديره للكتابة والقراءة كان عاليا ، ففرض على الأسرى فى غزوة بدر ـ كفداء لهم ـ أن يعلّم كل واحد منهم عشرة من المسلمين ممن يجهلون القراءة والكتابة. وفى صلح الحديبية لما رفض علىّ أن يكتب ما أملاه عليهم المشرك ، أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الكتاب فكتب ـ وإن كان خطه ليس حسنا. وروى النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنه ليلة أسرى به رأى مكتوبا على باب الجنة : الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر ـ يعنى أنه كان يقرأ! وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّا أمّة أمية ، لا نكتب ولا نحسب» كان كلاما عن العرب إجمالا وليس عن نفسه. وكان أعظم اختبار للكتابة عند العرب كتابتهم للقرآن ، وجمعهم لآياته وسوره فى كتاب القرآن ، وبالقرآن ككتاب صار العرب «أهل كتاب» ، وارتقوا حتى أصبحوا أعلاما للحضارة ، وآلت إليهم سيادة الفكر فى العالم ، وأصبحت الثقافة العربية أعظم الثقافات ، وتألّفت حول القرآن علوم لم تسبق إليها أمة من الأمم ، لا قديما ولا حديثا.
* * *
١٤٧٦ ـ الحضّ على تقييد العلم بالكتابة
تدوين العلوم وكتابتها ضرورة وواجب ، والحفظ الشفهى قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان ، وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع ، فالأولى به أن يقيّده لئلا يذهب عنه. ولما سئل أحدهم : أنكتب ما نسمع من أئمتنا؟ قال : وما يمنعك أن تكتب وقد أخبرك الله تعالى :