تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) (٤٨) (العنكبوت) ، فصرفه الله عن العلم بكتب اليهود والنصارى ليكون ذلك أثبت لمعجزته ، وأقوى فى حجته. ومن الأحاديث الموضوعة : «لا تعلموا نساءكم الكتابة» باعتبار تعليم الكتابة قد يكون سببا للفتنة ، إلا أن الحضّ على تعلّم الكتابة من أدبيات الإسلام ، وبذلك أمر الله تعالى فى خمسة وأربعين موضعا من القرآن ، يستوى فى ذلك أن يكون الكاتب من النساء أو الرجال ، والكتابة كما يروى عنها القرآن عين من العيون ، وبها يبصر الشاهد الغائب ، والكتابة خط هو آثار يد الكاتب ، فكأن الإنسان يصبح حاضرا رغم أنه بالفعل غائب ، والكتابة تعبير عن ضمير الكتبة بما لا ينطق به اللسان أو يخشى عليه من النسيان ، ومنه القرآن ، فالكتابة على ذلك أبلغ من اللسان.
* * *
١٤٧٥ ـ الكتابة قديمة فى العرب قبل التاريخ اليهودى والنصرانى
المفسرون يصرّون على تفسير الأميين فى الآية : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) (٢) (الجمعة) بأنهم الذين لا يعرفون الكتابة ولا الخط ، ونحن نقول إن «أميين» نقيض «أهل الكتاب» ، ومعنى ذلك أن العرب لم يكن لهم كتاب كما كان لليهود وللنصارى ، فاستحق هؤلاء أن يقال لهم «أهل كتاب» بينما العرب «أميون» لا كتاب لهم ، وساعد على ذلك أن اصطلاح «أميين» كان يهوديا ، فكل من لم يكن يهوديا فهو «أمى» ـ أى من «الأغراب» ، وهؤلاء أحط وأدنى ، لأنهم لا يطالعون التوراة ، ومعنى أميون : أنهم على حال البداوة والفطرة كما ولدتهم أمّهاتهم. وكان كل الرسل من العبرانيين ، بينما النبىّ صلىاللهعليهوسلم ليس منهم ، وبعث لغير العبرانيين أو للأميين ، لينقلهم نقلة حضارية ، بأن يجعل لهم كتابا مثل اليهود والنصارى ، فيكونوا بدورهم «أهل كتاب». وأما «الكتابة» نفسها فالعرب تعرفها من قديم ، وهم يؤرخون أخذهم بالكتابة على يد حرب بن أمية بن عبد شمس ، وقالوا إن حربا تعلّمها من عبد الله بن جدعان ، وهذا تعلّمها من أهل الأنبار ، وهؤلاء تعلموها من أهل اليمن من كندة ، وهؤلاء تعلموها من كاتب كان للنبىّ هود ، وهود كان من أنبياء العرب. فالكتابة إذن قديمة عند العرب أقدم من الكتابة العبرية. وقيل : إن حربا تعلمها من بشر بن عبد الملك ، وكان الخط العربى جزما ـ أى قطعا ، من الخط المسمى بالمسند وهو خط حمير ، وأول من كتب به ثلاثة هم : مرامر بن مرة ، وأسلم بن سدرة ، وعامر بن جدرة ، وهم من عرب طىّ ، وتعلموها على كاتب النبىّ هود ، ثم علّموها أهل الأنبار ، ومنهم انتشرت الكتابة بالعراق ، وكانت الآرامية ، نسبة لأرام ، قيل هو النبىّ هود. وتعلّمها حرب من بشر ، ثم ارتحل معه بشر فتزوج الصهباء بنت حرب