القوانين ، والقوانين فى مجتمعات المستقويين لتطبيقها على المستضعفين ؛ والمستضعفون يأتمرون بأمر المستقويين ، وكان قولهم لهم فى الدنيا : افعلوا ونحن المسئولون ، فلما كان الحساب فى الآخرة ، سألوهم : هل ستتحملون عنا عذاب ما كنتم تأمروننا به؟ وهذا تحذير للمستضعفين المؤتمرين بأمر المستقويين ، فلو كان هؤلاء ناجين من النار لأنجوهم معهم ، والإحباط هو الشعور السائد يومئذ ، ويدفع إلى الجزع ، والجزع هو المحبط اليائس ، وما كان يمكن أن يصبر ، فالمحبط الجزع لا يصبر وكلما فكر فى العذاب زاد به الإحباط والجزع ، فلا مهرب ولا فكاك من العذاب ، وبقدر الجرم يكون العقاب ، وجرم المستقويين أكبر من جرم المستضعفين ، وجرم الاستقواء هو أبشع الجرم. وفى الجزع يكون الصراخ ، وهو عكس الصمت فى الصبر ، وسواء جزعوا أم صبروا لا محيص ـ أى لا منجى. (انظر أيضا الكبر ليس من شيم الإسلام ضمن باب القرآن والفنون والصنائع والآداب واللباس).
* * *
١٤٤١ ـ المخادع يخدع نفسه
من أنماط الشخصية فى القرآن نمط المخادع ، وأصل الخداع فى كلام العرب الفساد ، والمخادع فى الدين يخدع الرسول ، ويخدع الله والمؤمنين ، كقوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) (٦٢) (الأنفال) ، وقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٩) (البقرة) ، وقوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) (١٤٥) (النساء) ، وخداعهم لله ولرسوله وللمؤمنين بإظهار الإيمان خلاف ما أبطنوه من الكفر ، ليحقنوا دماءهم وأموالهم ، ويظنوا أنهم نجوا وخدعوا ، وهم فى الحقيقة أفسدوا إيمانهم وأعمالهم بالرياء ، والمراءاة هى الإخفاء. ومن الأمثال فى الخداع قولهم : انخدع الضب فى حجره ؛ وما تحل عاقبة الخداع إلا بصاحبه ؛ ومن كلام أهل الإسلام : من خدع من لا يخدع فإنما يخدع نفسه» ، وهذا صحيح ، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن ، وأما من عرف البواطن فمن دخل معه فى الخداع فإنما يخدع نفسه ، ودلّ ذلك على أن المنافقين لم يعرفوا الله ، ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع ، وفى الحديث : «لا تخادع الله فإن من يخادع الله يخدعه الله ، ونفسه يخدع لا يشعر» ، قالوا : يا رسول الله كيف يخادع الله؟ قال : «تعمل بما أمرك الله به وتطلب به غيره». وليس القول الله يخدعهم ، أنه تعالى مخادع ، وإنما هذه هى عادة العرب إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ، ذكروه بمثل لفظه وإن كان مخالفا له فى معناه ، وعلى ذلك جاء قوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ)