هل هو الأعمى الذى حمل ، أم المقعد الذى قطف؟ والصحيح أنهما معا مسئولان ، والعقاب لهما معا ، فكذلك الروح والجسد.
* * *
١٤٣٨ ـ الصراع مقدور على الناس إلا من رحم ربّه
لما عصى آدم وغوى ، طرد من الجنّة وزوجته حواء وإبليس : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (١٢٣) (طه) ، يعنى آدم وزوجته من ناحية ، وإبليس من ناحية ، وكلّ منهم سيكون له النسل ، وسيجتهد بنوهم الرأى ، وسيلجئون مثل آدم وإبليس إلى التأويل ، وراثة عنهما ، وسينشب بينهم النزاع ، وتتولد العداوة وتزيد البغضاء ، واستثنى الله تعالى فقال : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤) (طه) ، والهدى : يعنى الرسل والكتب ، فكأن الصراع والحرب والعداء قد كتبوا على مخلوقات الله فى الأرض ، فجميعها فى تناحر ، وكلها فى صراع ، والبقاء للأصلح ولكنه ليس الأصلح باعتبار الموائمة مع ظروف الحياة ، إنما الأصلح باعتبار الأخذ بناموس الله ، وأن يكون الإنسان عبدا صالحا حقا ، وخليفة الله فى الكون صدقا ، جديرا بالخلافة ، وحقيقا بالإعمار. والقول بالمعايشة بين الحضارات أو الثقافات وهم ، لأنه لا وجود للباطل مع الحق ، والباطل والحق لا يتماشيان ، وأصحاب الحق يريدون أن يسود الحق بالحوار والمحاجاة ، وأصحاب الباطل يريدون للباطل أن يسود بالقوة والجبر والطغيان. والله تعالى جعل مع الحق التسليم والقناعة والتوكل عليه تعالى ، وصاحب الحق سمح النفس ، وعيشه سهل ورافع (يعنى به سعة) ، كما قال تعالى (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (٩٧) (النحل) ؛ والمعرض عن الحق مستول عليه الحرص الذى لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا ، مسلّط عليه الشحّ الذى يجعله دائم الاعتراك مع الغير ، فعيشه ضنك ، وحاله مظلمة ، وستبقى الحروب ما دام هناك حق وباطل ، وما لم تكن الحرب السجال بينهما بالحوار لا بالقتال.
* * *
١٤٣٩ ـ القنوط من الكبائر
القنوط عرض نفسىّ صنو الإحباط واليأس ، إلا أن القنوطDespondence يأتى فى البداية ، والإحباطFrustration يكون فى النهاية ، واليأس Despair هو محصلة الاثنين معا ، كقوله تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (٣٦) (الروم) ، والقنوط والبطر صفتا الكافر ، يقنط عند الشدّة ، ويبطر عند النعمة ،