إن أفاء الله عليه من فضله ليتصدقن ويكونن من الصالحين ، فإذا أتاه الله من فضله بخل به وتولى وأعرض ، فالله يعقبه نفاقا فى قلبه إلى يوم يلقاه.
وفى القرآن فإن النفاق إذا كان فى القلب فهو كفر ، وإذا كان فى الأعمال فهو معصية ، وفى الحديث : «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهم ، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر» ، وفى رواية : «وإذا وعد أخلف» ، وشرحه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «المنافق إذا حدّث وهو يحدّث نفسه أنه يكذب ، وإذا وعد وهو يحدّث نفسه أنه يخلف ، وإذا ائتمن وهو يحدث نفسه أنه يخون». ولمّا رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحيرة فى وجوه أصحابه وتخوّفهم أن تكون بهم خصال من المنافقين ، قال : «ما لكم ولهن؟ إنما خصصت بهن المنافقين كما خصّهم الله فى كتابه. أما قولى «إذا حدث كذب» فذلك قوله عزوجل : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١) (المنافقون) ، قال : «أفأنتم كذلك»؟ قالوا : لا. قال : «لا عليكم! أنتم من ذلك برآء. وأما قولى «إذا وعد أخلف» فذلك فيما أنزل الله علىّ : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٧٧) (التوبة) ، قال : «أفأنتم كذلك»؟ قالوا : لا. قال : «لا عليكم! أنتم من ذلك برآء. وأما قولى «وإذا ائتمن خان» ، فذلك فيما أنزل الله علىّ : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٧٢) (الأحزاب). وقال : «فكل إنسان مؤتمن على دينه ، فالمؤمن يغتسل من الجنابة فى السرّ والعلانية ، والمنافق لا يفعل ذلك إلا فى العلانية .. أفأنتم كذلك»؟ قالوا : لا. قال : «لا عليكم! أنتم من ذلك برآء». ونتبين أن النفاق نفاقان : أحدهما نفاق الكذب ، وهذا أخف أنواع النفاق وطأة وضررا ، كالآية : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) (٢) (المنافقون) ، وجنّة يعنى سترة ، كمن يقول أقسم بالله ، وأشهد بالله ، أو أحلف بالله ، أو أقسمت بالله ، أو كما فى الآية (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) (٧٤) (التوبة). والنفاق الثانى نفاق العمل : وهو أخطرهما وأكثرهما أذى وشرا ، لأنه لا يكون مجرد كذبة وتنتهى ، وإنما تترتب عليه أعمال ، ويجر إلى مشاكل ومصائب وربما حروب. وكما ترى فإن نفاق البعض من المفكرين والصحفيين والسياسيين فى أيامنا من نوع نفاق العمل ، وينطلى على الكثير من سواد الناس ، ويخدمهم أنهم من أصحاب السلطان أو الجاه ، ولهم حول وطول ، وهؤلاء هم المعنيون بالآية : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ