شعيب : (لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٨٧) (هود) ، فقرن الرشد بالحلم وهو ضد الطيش والجهل والسفه. وفى الآية : (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (١٧) (الكهف) فقرن الولاية بالإرشاد ، وقال فى الولىّ ، وهو الصديق ، والنصير ، والحليف ، أنه المرشد ، أى من يدلّ على الطريق الصحيح ، وينصح بالحق ، وفى الدعاء يقال : «الله وليّك» يعنى مرشدك وناصرك. والراشد مثل ذلك ، وهو العاقل والمرشد إلى الخير ، وفى تعريف الراشدين يقول تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (٧) (الحجرات) ، أى أنهم من وفّقهم الله فحبب إليهم الإيمان ، وكرّه إليهم الكفر ، وهو معنى المصطلح «الخلفاء الراشدون» ؛ «والرّشد هو الالتزام بطريق الحقّ والتصلّب فيه ، من الرّشاد وهى الصخرة.
* * *
١٤٢٤ ـ الفطرة من فلسفة القرآن
الفطرة نزل عنها فى سورة الروم وهى مكية : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٣٠) ، والحنيفية هى هذا الدين القيم ، أضاف الدين إلى القيمة ، ومعنى الحنيفية : الميل عن كل ما ليس حق ، والتوجه بالاعتدال وبمقصد قويم وقوة على الجدّ إلى عبادة الله ، والعبادة معرفة ، والمعرفة لم تتولد كزعم التوراة نتيجة أن آدم عصى الله وأكل من شجرة المعرفة ، فعرف نفسه وشاهد عريه ، فصارت لديه الرغبة أن يعرف كل شىء ، وأن يحصّل المعرفة أنّى كانت!! وإنما فى القرآن أن الله خلق الإنسان ليعرف ، وهو المخلوق الوحيد العارف ، فإذا عرف انتهى إلى ربّه وذلك مقصود العبادة أى تحصيل المعرفة ، أو مقصود العيش عموما والوجود : أن يعرف الله ، فيعبد. والمعرفة وتحصيلها فطرة فى الإنسان ، فهكذا هو مجبول. والقول بالفطرة من فلسفة القرآن ، والعودة إلى الفطرة من تربية القرآن ، فليس صحيحا إذن أن چان چاك روسو سبق إلى القول بالفطرة أو بتربية الفطرة ، ولا أن المدرسة الاسكتلندية فى الفلسفة سبقت إلى القول بالإدراك الفطرى Common sense ، وإنما القرآن كان الأسبق ، وسمى الدين «فطرة» ، و «الفطرة» دينا : وهى أن يعود الإنسان إلى طبيعته التى خلقه الله عليها ، كقوله : (أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤) (التين). والفطرة باعتبار القرآن هى «ملكة الفهم» التى يتم بها الإدراك العادى ، أو هى «ملكة الحقائق الأولية» ، وهى الحقائق التى تحظى بالموافقة الضمنية العامة. والاعتقاد فى الله مغروس innate فى فطرة الإنسان ، وهو حقيقة أولية فى إدراكه ، وإنكار الدين ضد الفطرة ، وليس استمرار الأديان من بداية التاريخ إلا من باب ما يسمى «البرهان الفطرى فى