بخلاف البلوغ ، وسن الرشد adulthood هو الحادية والعشرون ، بينما سن البلوغ أو الحلم puberty هو الثانية عشرة ، وقيل حتى سن الخامسة عشرة ، وهى السن التى يبلغ فيها الصبى مبلغ الرجال ، ويحتلم ويمنى ويمكن أن ينجب مثله. والرّشد فى الآية : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (٦) (النساء) ليس مجرد العقل ولكنه صلاح العقل ، وشرط الحادية والعشرين إذن من تعريفات الرشد كمصطلح قانونى ، وإنما المصطلح الشرعى ينصرف إلى صلاح العقل. والآية خاصة باليتامى ومعناها إن بلغوا هذه السن أى الحادية والعشرين ، وكان بهم صلاح فى العقل وحفظ للمال ، فادفعوا إليهم أموالهم. وفى الإسلام لا يدفع إلى اليتيم ماله وإن بلغ مائة سنة ، حتى يعلم عنه صلاح عقله. والرشد إذن كمصطلح نفسانى ، لا يتحقق للفتى أو الفتاة بالبلوغ ، فإذا لم يرشد بعد بلوغ الحلم ، وإن شاخ ، لا يزول الحجر عنه. وقيل إن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يحجر على حبّان بن منقذ ، وكان به ضعف فى العقل ، غير أن حبّان لم يكن ضعفه غبنا فى تصرفاته ، والأمر فى الإسلام أن السفيه يحجر عليه ، ولم يكن حبّان سفيها. وشرطا الرشد والبلوغ هما إذن شرطا أن يكون للفرد المسلم كيانه القانونى المستقل. وأبو حنيفة جعل بلوغ الخامسة والعشرين شرط هذه السن. والأولى إذن فى القوانين الوضعية أن لا يحكم ببلوغ المرء الرشد إلا باختباره ، وأن يمهل لفترة يفوّض فيها التصرفات التى يتصرّف فيها أمثاله ، فإن كان من أولاد التجار ، فوّض إليه البيع والشراء ، فإذا تكرر منه فلم يغبن أى يخدع ، ولم يضيّع ما فى يديه ، فهو رشيد. وإن كان من أولاد الكبراء رفعت إليه نفقة لينفقها لمدة فى مصالحه ، فإن كان قيّما بذلك ، وصرفها فى مواقعها ، فهو رشيد. ويفوّض إلى المرأة بالمثل فإن كانت ربّه بيت ، وكانت ضابطة لما فى يديها ، فهى رشيدة. ولا يتم هذا الاختبار إلا بعد بلوغ السن القانونية ، فيأذن له وليّه بهذا التصرّف إلى حين. وتسقط الحضانة عن الرشيد ، فيصحّ له أن يقيم عند من يشاء من أبويه ، وله أن ينفرد بمعيشته. على أن ذلك لا يمنع أن تظهر مخايل الرشد على المراهق قبل هذه السن ، كقوله تعالى فى إبراهيم : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) (٥١) (الأنبياء) ، فقد عرف بصلاح العقل فى سن مبكرة ـ قيل كان فتى فى السادسة عشرة ، وكذلك عرف «يحيى» بصلاح الحكم كما قال تعالى فيه : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (١٢) (مريم) ـ فإذا بلغ المرء رشده سقطت عنه الحضانة ، وصار له أن يقيم عند أىّ من الأبوين إن كانا مطلّقين ، أو تكون له معيشته المستقلة إن أراد. والرشيد : فى الآية : (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) (٧٨) (هود) هو الراشد أى الصالح ، وهو المرشد أى المصلح ، والرجل الرشيد : هو العاقل غير المضيّع للدين ، وهو الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وجاء قوله تعالى فى وصف