فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) (المؤمنون) ، تلخّصت أطوار تخلّق الإنسان ، وكان انبهار علماء الأجنة من الأوروبيين بهذه الآيات انبهارا كبيرا ، لدقة وصف هذه الآيات للرحم كقرار مكين ، بما فيه من أربطة وعوامل استقرار ، وبالتخلّق عبر مراحل ، وتطابق الوصف لواقع التخلّق ، ولقوله تعالى بأن العظام تتكون قبل اللحم وليس العكس ، وأن الخلق من تراب كان فى البداية مع آدم ، والإنسان عند ما يموت يتحلل إلى تراب يتكون من نفس عناصر التراب الذى نعرفه ، بالإضافة إلى ماء يتبخر ، وغازات متصاعدة ، والماء أضيف إلى التراب عند خلق آدم فكان طينا ، وفيه قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (١٢) (المؤمنون) ، وأما الغازات فهى نتيجة تخمّر بقايا الأغذية فى الجسم ، وإنما الأصل فى الخلق ، هو ما يتبقى بعد الممات ، وهو هذا التراب لا غير ، وبعد آدم كان التخلّق من المنى من الإنسان المخلوق من تراب ، فكان أيضا أن تخلّق الإنسان من منىّ أى من تراب ؛ ثم كانت النطفة من المنى والبويضة ، ثم كانت العلقة وهى التخلّق الطرى الأحمر الذى تتطور إليه النطفة إثر التلقيح ، وسميت كذلك لأنها تشبه الدم الجامد أو الدم العالق ، ثم تكون المضغة سمّاها كذلك لأنها تشبه اللحم قدر ما يمضغ ، وهذه الأطوار تستغرق أربعة أشهر ، ثم تدبّ الحياة فى الجنين بعد هذه الشهور الأربعة ، فى الأيام العشر الأولى ؛ ومثل ما دبّت الحياة فى الجنين فى أربعة أشهر وعشرة أيام ، فكذلك جعلت عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإذا دخلت المرأة فى الشهر الخامس ولم يظهر لها حمل برئت منه ، وبرىء رحمها. وفى الحديث : «يجمع خلق أحدكم فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم أربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة». فهذه أربعة أشهر ، ثم تدبّ الحياة فيه فى الأيام العشرة التالية. والنطفة لا تستقر فى الرحم إلا إذا صارت علقة ، وهذا هو سبب تسميتها كذلك : أنها تعلق بالرحم ، ويكون وضعها فيه وضع حمل ، والمضغة المخلّقة فى الآية تكون كذلك عند ما يظهر شكل الجنين ويكون له الرأس واليدان والرجلان إلخ. والمضغة غير المخلّقة هى التى لم تصوّر بعد. والتخليق من الخلق تتابعت عليه الأطوار ، فقد خلق خلقا بعد خلق ، وفى الآية أن بيان ذلك متاح للناس مما يظهر كمال قدرة الله بتصريفه هذا العجيب لأطوار خلق الإنسان. والاستقرار فى الرحم آية ، لأن الجنين يثقل ويمكن أن يبلغ وزنه من ٥ ، ٢ كيلو إلى ٤ كيلوات ، وأحيانا خمسة ، فما لم يكن الرحم متينا غاية المتانة فلن يقدر على استيعاب الحمل مدة الشهور التسعة ، وسيسقط الجنين ؛ ثم يكون الميلاد. «والطفل» يصدق عليه هذا الاسم من وقت انفصال الولد بالولادة حتى البلوغ ؛ «وبلوغ الأشدّ» هو بلوغ الحلم واكتمال النضوج البدنى والعقلى والنفسى ، ومن الناس من يموت فى ميعة الصبا ، ومنهم