سببا فى إسلام بعض من العلماء غير المسلمين ، منهم العالم الكندى كيث مور وله كتاب مشهور فى علم الأجنة ، وقد بهر بالآية وفسّرها بأن الظلمات الثلاث من واقع دراساته هى : ظلمة جدار البطن ، وظلمة الرحم ، ثم ظلمة الأغشية المحيطة بالجنين. وكان مفسرو القرآن من المسلمين يقولون عنها بأنها ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة. وقال بعضهم بما سمّاه ظلمة الليل فى البطن.
* * *
١٤٠٨ ـ الخلق من نطفة أمشاج
إعجاز هذه الآية : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (٢) (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣) (الإنسان) ، أن العلم الحديث كشف عن صدق ما جاء بها ، ولم يعارضها علم الأجنّة فى شىء مما ذكرته ، فالنطفة التى يخلق منها الجنين هى نطفة أمشاج أى أخلاط ، والمشج فى اللغة هو الخلط ، والممشوج المخلوط ، والجنين هو جماع منىّ الرجل وبويضة الأنثى ، ولم يكتشف أمر البويضة إلا سنة ١٨٢٧ ، وقبل ذلك كان الاعتقاد أن الجنين يتكون من ماء الرجل ، أى منيّه ، ومن ماء المرأة ـ وهو السائل اللزج الذى يسهّل عملية الجماع ، وذلك خطأ صحّحه العلم مؤخرا فقط ، وكان المظنون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فما كان من عصب وعظم وقوة فهو من ماء الرجل ، وما كان من لحم ودم وشعر فهو من ماء المرأة ، ولكن الآية أكدت نظرية الأمشاج وهى التخلّق من المنى والبويضة ، وهو قوله تعالى : (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) ، وأثبت العلم أن خلق السمع يأتى قبل خلق البصر كما فى الآية ، وأن الطفل حين يولد فإن سمعه يسبق بصره ، والسمع طريق الهداية ، ولذلك يكون الإنسان إما مقتنعا بما يتلقى من العلم ويتحصّل من الخبرات ، فيكون شاكرا لله عارفا به وبفضله ، وإما أنه لا يقتنع ويجحد ، ويمارى ، ويكابر ، وينكر ، فيكون كفورا بنعمه تعالى وبأنه خالقه جلّ وعزّ.
* * *
١٤٠٩ ـ إعجاز آيات أطوار تخلق الإنسان
فى قوله تعالى : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (٥) (الحج) ، وقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ