مِنْكُمْ
مَرْضى) (٢٠) (المزمل). والمريض له أن يصلى ما تيسّر له لمرضه ، والقرآن فى الآية :
(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) (٧٨) (الإسراء) هو صلاة الفجر ، أو أن قراءة القرآن فى الفجر المقصود بها
التلاوة فى وقته ، فعند المرض له أن يختصر فيها ، وفى الحديث : «من قام بعشر آيات
لم يكتب من الغافلين ..».
والتداوى فى
المرض مأمور به ، إلا ما كان من محرّم كالخمر ، وما كان فيه سمّ ويرجى منه شفاء لا
يحرم. ومن الأدوية الشافية فى القرآن عسل النحل : (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ
أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) (٦٩) (النحل) ، وعن علىّ قال : «أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة ، وأشرف
شرابه رجيع نحلة». ـ يقصد بالدودة دودة القز ، والحرير من لعابها ، وشراب النحلة
هو العسل ، ومنه أكثر الأشربة والمعاجين ، ويكتحل ويستمشى به ويتداوى ، ويخلط
بالماء والخل ويطبخ فيكون شرابا ناجعا. وكما ترى فإن القرآن لا يتصادم والطب
الحديث ، على عكس التوراة والإنجيل.
* * *
١٤٠٥ ـ الإنسان آخر
ما خلق الله من أصناف الخليقة
أثبت العلم أن
الإنسان عند ما يموت ويتحلل ، فإن عناصره هى نفس عناصر التراب ، وكما كانت نهايته
كانت بدايته ، بقوله تعالى : (كَمَثَلِ آدَمَ
خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) (٥٩) (آل عمران) ، وقوله : (فَإِنَّا
خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) (٥) (الحج) ، وقوله : (أَإِذا مِتْنا
وَكُنَّا تُراباً) (٣) (ق) ، وقيل عناصر التراب ستة عشر عنصرا ، والعناصر التى ينحل إليها جسم
الإنسان ستة عشر عنصرا. وفى قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (١) (الإنسان) تأريخ لتطور الإنسان فى الخلقة ، وتطوره الحضارى ، فلما خلقه
الله كان على الفطرة ولم يكن شيئا مذكورا ، وظل كذلك حينا من الدهر ، لا تعرف له
الخلائق قدرا ، ثم إنه عرف الله ، وجعله الله تعالى خليفة فى الأرض ، وحمّله
الأمانة لمّا ظهر فضله على الكل. وكان آخر ما خلق من أصناف الخليقة ، فكان على قمة
السلّم الحضارى ، وخلقه بعد خلق الحيوان كله ، ولم يخلق بعده حيوانا. والإنسان هو
جنس بنى آدم. وقيل «الحين» فى الآية هو التسعة أشهر مدة الحمل ، وفيها لا يكون
شيئا مذكورا ، وفى النظرية التلخيصية فإن الإنسان وهو يتخلّق فى الرحم يلخّص ويوجز
قصة خلقه من البداية ، وكما يتخلّق الجنين كان تخلّق آدم ، وكذلك كل جنس الإنسان ،
وتطوّر كتطور الجنين ، ومرّ تاريخه بأطوار ودورات وأطباق ، طورا بعد طور ، ودورة
إثر دورة ، وطبقا فى عقب طبق ، ولم يصبح الإنسان مذكورا إلا بعد أن صار له تاريخ
وحضارة ومعرفة. وسبحان من جعل كل هذه الحضارة بمخلوق لم يكن شيئا مذكورا!
* * *