من نعم الله ، ومثله مثل الماء ، فهو من الضرورات ، بل إنه أشد ضرورة من الماء ، فالماء أهم من الطعام ، لأننا يمكن أن نستغنى طويلا عن الطعام ولا نستغنى عن الماء إلا أياما ، والهواء أهم من الماء ، لأننا لا نستغنى عن الهواء إلا لبضع دقائق لا غير ، وكذلك يمكن أن نستغنى عن كل شىء فى الوجود إلا الهواء والماء ، ومثل الماء فإن الهواء يغلب فى تركيبه الأكسجين وثانى أكسيد الكربون ، ولأنه أهم شىء بمعايير الحياة فقد استكثر منه الله عن الماء ، وجعله مجانا للجميع ، ويقدّر وزنه على سطح الأرض بنحو خمسة ملايين بليون طن ، ويستهلك منها الإنسان أكثر مما يتناوله من طعام وشراب ، والإنسان العادى يستهلك نحو ثلاثة كيلوجرامات من الطعام والشراب ، إلا أنه يستنشق من الهواء نحو تسعة كيلوجرامات ، أى ثلاثة وثلاثين ألف لتر يوميا ؛ أو ما يزيد على ٣٢٩٥ كيلوجرامات سنويا ، أى أكثر من اثنى عشر مليون لتر سنويا!
ويرتبط الهواء بالأرض بالجاذبية ، وتتخلله جسيمات متناهية فى الصغر من المواد الصلبة والسائلة ، وليس له طعم ولا لون ولا رائحة ، ونعرف حركته إذا كان رياحا أو إعصارا ، ولو لا الهواء لما استطاع الإنسان أن يطير ، ولما فارق بخار الماء سطح البحار ، ولما تكونت السحب وهطل المطر ، وبدونه يستحيل أن تتحرك السحب إلى بلاد دون بلاد ، وهو الذى يعوق النيازك وتحترق فيه ، ولو لاه لكان لنزولها على الأرض دوىّ ، ولاحترق كل شىء. وبالهواء تتحدد الزراعات والمحاصيل ، وتتأثر أحوال العمل ، وتنشط الأمراض أو تمتنع ، وتتفشى الجراثيم ، وتتوطن الأوبئة ، وتتأثر طبائع الناس وأخلاقهم ، ويشكل الهواء فى الغلاف الجوى تأثيرا أساسيا على الغطاء النباتى ، وتقلّبات الطقس والمناخ ، وعلى زيادة الأمطار أو قلّتها ، وسرعة الرياح ، وارتفاع الرطوبة والحرارة ، فليس عجيبا إذن أن يقسم الله تعالى بالهواء ، وأن ينبّه إليه كمعجزة إلهية ، ما نبّهنا إليها كتاب آخر كالتوراة والإنجيل ، وهذه هى عظمة القرآن!
* * *
١٣٩٦ ـ أرزاقنا من الأرض والسماء
آيات الرزق فى القرآن ، كقوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) (٢٢) (الذاريات) ، وقوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٧) (المنافقون) ، وقوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٣١) (يونس) ، وفى هذه الآيات ، ومنها الكثير ، نعلم أن الرزق مصدره السماء والأرض ، وأكثره من السماء ، أو أن السماء هى الأصل فى رزق الأرض ، وخزائن الرزق فيهما. والرزق فى اللغة : هو ما ينتفع به من النّعم ، والجمع أرزاق ، وهو