الدوران مرور الجبال مرّ السحاب ، يقول تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦) (يونس) ، ويقول : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (٦٢) (الفرقان) ويقول : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٤٤) (النور) ويقول : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) (٢٩) (لقمان) ويقول : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) (٣٧) (يس) ، وفى كل ذلك إشارة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس. و «الولوج» هو الدخول ، أى أن : نصف الأرض الذى يخيم عليه الظلام يحلّ بالتدريج محل النصف الذى يعمّه النهار ؛ كما أن نصف الأرض الذى يعمّه النهار يحلّ بالتدريج محل النصف الذى يخيّم عليه الظلام ، وهو برهان على أن الأرض كروية ، وأنها تدور حول محورها أمام الشمس. ومعنى قوله «يسلخ النهار من الليل» : أنه تعالى ينزع نور النهار من أماكن الأرض التى يتغشّاها الليل بالتدريج ، كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها عند سلخها ، ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس. وجاء تشبيه انحسار طبقة النهار عن ظلمة الليل بسلخ جلد الذبيحة إشارة علمية لم نعرف معناها إلا مؤخرا ، وتنبّه إلى رقّة طبقة النهار فى نصف الكرة المواجهة للشمس ، فثبت أن سمك طبقة النهار حول الأرض لا يزيد عن المائتى كيلومتر ، فإذا قارنا ذلك بالمسافة التى تفصل بيننا وبين الشمس وهى نحو مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات ، لأدركنا ضآلة هذه الطبقة ، فهى لا تتجاوز ، بالنسبة لبعد الشمس ، الواحد إلى السبعمائة والخمسين ألفا تقريبا ، وبالنسبة لنصف قطر الجزء المدرك من الكون ، والمقدّر بأكثر من عشرة آلاف مليونا من السنين الضوئية ٥ ، ٩ مليون مليون كيلومتر ، فإنها تكون تافهة جدا والتعبير القرآنى بأن النهار كأنما هو جلد ذبيحة ينسلخ عنها هو تعبير معجز غاية الإعجاز ، وفيه أن الظلمة هى أصل الكون ، وأن النهار لا يعدو ظاهرة عارضة متهافتة فيه ، ولا يظهر إلا فى الطبقات الدنيا من الغلاف الجوى للأرض فى نصفها المواجه للشمس. وفى قوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٤٠) (يس) ، وقوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (٨٨) (النمل) ، دليل أكيد على أن لكلّ مداراته ، وأن السحاب يمرّ مع الجبال فى حركة الأرض ، لارتباط الجبال بالأرض ، وارتباط الغلاف الغازى الذى منه السحاب بالأرض برباط الجاذبية ، فتنضبط حركة السحاب بحركتها. ونفس المعنى تؤكده آيات غشيان الليل والنهار ، كقوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها