وتنبيه الناس ليتبينوه ، ولو فعلنا ذلك لكان منهجنا فيه من أنجح أساليب الدعوة إلى الله وإلى الإسلام فى عصر العلم. والأرض ـ كمثال ـ فيها آيات وعجائب يعددها القرآن ويأتى ذكرها فيه ٤٦١ مرة ، وجميعها حقائق أثبتها العلم ، ومنها آيات تشير إلى شكل وحركة الأرض ، وكرويتها ودورانها ، ومواقع النجوم منها ، واتساع الكون الذى يشملها ، وبدئه دخانا ، ثم تخلّقه جرما ، ثم انفجاره فكانت السماء والأرض ، وتطابقتا ، وانتشرت المادة بينهما وبين النجوم والمجرات ، ونزل الحديد فى الأرض من السماء ، وتصدّعت الأرض ، وكانت ظلمات البحار والمحيطات فيها ، وتسجير القيعان ، وتمايز المياه ، وكانت الجبال أوتادا لتثبيتها ، ولاتزان دورانها حول محورها ، كما كانت أشكال الجبال وألوان صخورها ، وكان دورها فى نزول الأمطار وتغذية الأنهار ؛ ونشوء الغلافين المائى والهوائى للأرض ، ودورة المياه حول الأرض وتخبرنا الآيات أن ذلك كله مصيره إلى الفناء بعملية معاكسة للخلق ، ويخلق الله من جديد أرضا غير الأرض ، وسماوات غير السموات ، وسبحان من خلق الأرض والسموات ، وأحكم كل ذلك وأتقنه ، وسبحان من خلق الأرض صالحة للحياة وللعمران ، وباعد بينها وبين الشمس بحوالى ١٥٠ مليونا من الكيلوات ، فأمّنها حرارة الشمس ولم يحرمها دفأها ولا نورها ، وأدارها حول الشمس فى ٣٦٥ يوما وربع تقريبا ، وحول نفسها فى ٢٤ ساعة تقريبا ، فكان الليل والنهار ، وكانت الفصول ، والدورات الزراعية ، وهبوب الرياح ، وهطول الأمطار ، وفيضان الأنهار ، وتمايز أشكال الناس ، وجميعها آيات تشهد لخالقها بطلاقة القدرة ، وإحكام الصنعة ، والتفرّد بالوحدانية.
وسبحان الذى أنزل هذه الآية الكريمة : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠) (الذاريات ٢٠) منذ ألف وأربعمائة سنة! ليدل دلالة قاطعة على أن القرآن من عند الله ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم هو نبىّ مرسل لا شك فى ذلك.
* * *
١٣٨٦ ـ القرآن يقول بكروية الأرض ودورانها حول نفسها
تقول التوراة بثبات الأرض والسماء ولا تذكر شيئا بالمرة عن ظواهر الأرض الطبيعية وصفاتها ، على عكس القرآن الذى يحفل بالآيات العلمية والبراهين العقلية ، تأكيدا لما أثبته العلم وبيّنه بجلاء ، فلم يتعارض العلم مع القرآن ، ولا تناقض القرآن مع العلم ، وكانت عبارات القرآن فى ذلك دقيقة غاية الدقة ، بالغة البيان ، تنبّه إلى أن الأرض كروية ، وأنها تدور حول نفسها أمام الشمس ، ودليل القرآن على ذلك اختلاف الليل والنهار ، وأنهما خلقة ، وأنه تعالى يقلّبهما ويولجهما الواحد فى الآخر ، ويسلخهما من بعضهما البعض ، وأن الليل والنهار ، والشمس والقمر ، كلّ يسبح فى فلكه ، أى كلّ يتحرك ويدور ، ومن دلائل هذا