وتثبّتها ، وقال : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) (٣) (الرعد) ، وقال : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) (١٩) (الحجر) ، وقال : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) (٣١) (الأنبياء) ، وقال : (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) (٢٧) (المرسلات) ، يذكّر أن الأرض قد مدّها وبسطها ومهّدها ، وألقى فيها الجبال راسيات ، مستقرة عليها ، تحفظها أن تميد ، وكلما تذكر الجبال تذكر الأمطار ، لأنها مقرونة بها ، لأن الجبال تناطح السحاب ، وتتولد طاقة كهربية ، تنزل الأمطار وينحدر ماؤها فراتا إلى الأرض ، ينساب أنهارا ، ويتدفق ينابيع ، فيسقى الزرع والأنعام والناس ، وتذكر الجبال كراوسى تسع مرات ، وتذكر كأوتاد مرة واحدة ، وقولنا الجبل راس ، والجمع رواسى ، أى مستقرة ، وأما الأوتاد فهى جمع وتد ، وهو الشيء الصلب المغروس فى العمق. ويكشف العلم الحديث أن الظاهر من الجبال فوق سطح الأرض لا يمثل إلا جزءا بسيطا منها ، وأما بقية الجبل فهى تحت الأرض ، ولذلك كانت الجبال أوتاد الأرض ورواسيها ، ومن شأن وتد الخيمة مثلا أن يتوغل فى الأرض فيحفظها أن تقع ، وكلما زاد توغله فى الأرض كلما لم تقو الريح أن تعصف بالخيمة ، وأوتاد الجبال إذن كأنها الجذور المتعمقة ، تمتد داخل الأرض مسافات تتراوح بين ضعفى الجبل إلى ثلاثة أضعاف حجمه ، غير أن ما يظهر منه للعيان نحو الربع فقط ، أو الثلث. ولو لا أن الجبال راسية وثابتة لانهارت القشرة الأرضية وتآكلت فى مواجهة المحيطات ، وحيثما كانت الجبال على الشواطئ كانت المحيطات خطرة على الأرض تلطمها بمياهها وتكاد تغرقها وتبتلعها ، فتظهر الجبال بأمر ربّها على نقاط التماس بين المحيطات وبين اليابسة ، لتحفظ الأرض من أن تتآكل ، مثلما تفعل جبال اليابان ، وجبال الأنذير ، فإذا لم تشكل المحيطات خطورة على اليابسة ، كما فى إفريقيا الغربية ، لم تكن ثمة ضرورة للجبال بمناطقها فنفتقدها ، فتكون الأرض ممتدة منبسطة ممهدة لا جبال فيها ، وذلك من دلائل قدرته تعالى ، ومن دلائل أن القرآن من لدنّه تعالى ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم لم يفتره كما زعموا ، وما كان محمد صلىاللهعليهوسلم عالما لينتحل العلم ، وإنما العلم من العالم وهو الله ، وما كان تذكيره تعالى بالجبال الرواسى إلا مثلا لعل المنكرين يتّعظون.
* * *
١٣٨٥ ـ (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ)٢٠ الذاريات
فى القرآن حقائق علمية عن الأرض لم تكن معروفة قبل هذه الثورة العلمية التى نعيشها ، ومنها حقائق لم يكتشفها أحد إلا مؤخرا ، وسبق القرآن إليها وطرحها وذكّر بها بأسلوب آية فى البلاغة والدقة ، وهو جانب من الإعجاز العلمى يستوجب الالتفات إليه