١٣٦٧ ـ (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)٢ الرعد
الآية حجة كونية مرئية على وجود الله ، فالسماء نراها مرفوعة ، ووصفها الله تعالى فقال : «بغير عمد ترونها» ، ولم يقل : «ترونها بغير عمد» ، والأولى إثبات للعمد ترفع السماء دون أن يراها الإنسان ، والثانية إثبات بأن السماء مرفوعة كما يراها الإنسان بغير عمد ، وفارق بين المعنيين ، والآية القرآنية أثبتها العلم الحديث ، وأكد أن السماء ترتفع بالجاذبية ، وأن الجاذبية تمسكها أن تقع ، وأن ينهدم بناؤها الشاسع ، كقوله : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٦٥) (الحج) ، والأولون قالوا : إن العمد هى الضرورة ، وهى غاية علمهم ؛ والمحدثون قالوا : إنها «الجاذبية العظمى» ، وتتألف من قوى ، منها القوى النووية الشديدة : التى تربط جزئيات المادة ، وتدمج وتلحم نوى الذرات مع بعضها البعض ، والقوى النووية التى تتحكم فى فناء العناصر حيث أن لكل عنصر أجلا مسمى ؛ والقوى الكهر ومغناطيسية التى تربط الذرات ببعضها البعض داخل جزئيات المادة ، وأخيرا قوة الجاذبية ، وهى القوة العظمى ، وتمسك بكافة أجزاء السماء بمختلف تجمعاتها ، وتنتشر موجاتها فى أرجاء الكون كله بسرعة الضوء دون أن ترى. وهذه القوى هى العمد التى ترفع السماء وتمسكها أن تقع ولا نراها. وترتبط الجاذبية بكتل الأجرام ومواقعها ، وكلما تقاربت زادت كتلها ، وزادت قوة الجذب بينها ، فالأكبر منها يمسك بالأصغر بواسطة قوى الجاذبية ، ومع دورانها حول نفسها تنشأ القوة الطاردة المركزية ، وتدفع الأجرام الصغيرة بعيدا عن الكبيرة ، إلى أن تتساوى القوتان المتضادتان ـ قوة الجذب إلى الداخل ، وقوة الطرد إلى الخارج ـ فتتحدد بذلك مدارات النجوم كافة دون اصطدام. وهذه القوى الأربع هى القوى الخفية التى يقوم بها بناء السماوات ، وتتوحّد جميعها فى قوة جاذبية عظمى تنتشر فى كافة أرجاء الكون ، وتظهر فى صورة الطاقة ، والطاقة هى الوحدة الأساسية فى الكون ، والمادة مظهر من مظاهرها ، والكون عبارة عن المادة والطاقة ، وبدون الجاذبية فلا وجود للكون ، وهى التى تربط أجزاءه ببعضها البعض ، وتمسكها أن تنفرط وأن تقع ، وتكوّر كافة النجوم والأرض ، وتحكم دوران الأجرام وتخلّقها ، وتمنعها أن تصطدم فى مداراتها ، وتحدّب الكون وتجعل لمسارات الطاقة والمادة خطوطا متعرجة ، وتمسك بالأغلفة الغازية والمائية ، فهذه هى العمد التى ترفع السماء ولا نراها ، وأخبرنا بها ربّنا فى القرآن ، وهى دليل صدق أن القرآن لا يتصادم مع العلم ، وأنه كتاب منزل من عند الله ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم الذى تنزّل عليه وبلّغه للناس ، هو فعلا رسول من عنده تعالى.
* * *