الظل لم يجدوا إلا الدخان اليحموم يتجمع كالسحابة فوقهم ، لا هو البارد يحميهم من الحرارة ، ولا هو بالكريم فيه بعض الخير ، وإنما النار صارت لها الظل من فوقهم. وأصحاب المشأمة هم أصحاب الحنث العظيم (الواقعة ٤٦) ، فأعظم ذنوبهم إنكار البعث وتكذيب الخبر به ، وإنهم لمجموعون لميقات يوم معلوم هو يوم القيامة ، وآكلون من شجر الزقوم تزقم أو تزكم أنوفهم رائحته ونتنه ، يملئون من لحائه وورقه بطونهم فتصيبهم مرارته أو مرارتها بالعطش ، فلا يجدون إلا الحميم المغلى صديد أهل النار ، وكلما شربوا عطشوا ، كأنهم الحيوانات الهيم تشرب كالمرضى بداء العطش ، فذلك نزلهم يوم الدين (الواقعة ٤١ ـ ٥٦) ، وتلك حياة أصحاب المشأمة يوم الدين.
* * *
١٣٣١ ـ أهل النار يأكلون من شجر الزقوم
تأتى شجرة الزقوم ثلاث مرات فى القرآن ، من التزقّم وهو البلع الغصب لشدة صلابة ومرارة ما يطعم به. والتزقّم هو أيضا التزكّم ، تكون للشيء المبلوع رائحة نتنة تزكم الأنوف. ولا توجد هذه الشجرة إلا فى النار ، يقول الله تعالى فيها : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) (الصافات) ، وفى الآية مقارنة بين أن يكون نزل الناس الجنة أو يكون حيث شجرة الزقوم هذه ، وإنها لشجرة تنبت فى قعر الجحيم ، وبذرتها ومنشؤها النار ، وتحيا بلهب النار ، وأفرعها مشرعة كأنها رءوس الشياطين ، والتشبيه تخييلى ، ولمّا نزلت الآية قال الكافرون ما نعرف هذه الشجرة؟! يزعم محمد أن النار تنبت الشجر ونحن نعرف أن النار تحرق الشجر ، فكانت الشجرة لهم فتنة ، كقوله فى النار : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (المدثر ٣٠) ، قالوا فلما ذا هذا العدد بالذات؟ وكذلك قالوا ما لهذه الشجرة لا تحرقها النار ، بل إن النار لتنبتها؟ والفتنة اختبار ، فتنتهم الشجرة عن ربّهم فلم يقدّروه قدره ، ولو آمنوا لعلموا أنه يقدر على كل شىء وأنه خالق الأسباب. وما وقع فيه الكفرة وقت النبىّ صلىاللهعليهوسلم يقع فيه الآن الملاحدة ، حتى أنهم ليؤوّلون الجنّة والنار بأنهما الثواب والعقاب ، وإنما لا وجود لشىء اسمه الجنة والنار على الحقيقة ، وحملوا وزن الأعمال ، والصراط ، واللوح ، والقلم ، على معانى زوّروها فى أنفسهم ، وقالوا العامة تحسب ذلك حقيقة ، والخاصة تفهمها كرموز. والزقوم هذه منها طعام أهل النار ، يملئون من لحائها وأوراقها بطونهم ، كما أن من طعامهم الضريع ، كقوله تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) (الغاشية ٦) ،