و «النصح لكتاب الله» : يكون بقراءته ، والتخلّق به ، والتفقه فيه ، وتعليمه ؛ «والنصح لأئمة المسلمين» : يكون بإرشادهم إلى الحق وتنبيههم إلى ما أغفلوه ، وتحذيرهم من أن يكونوا فقهاء للسلطة يفتون بحسب طلب الحكام ؛ و «النصح للعامة :» بإرشادهم وإرادة الخير لكافتهم. وفى الحديث : «مثل المؤمنين فى توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
* * *
١٢٧٥ ـ الهدى هديان
الهدى : معناه الرشد والبيان ، والهدى هديان : هدى دلالة ، وهدى معونة ؛ والأول : هو الذى تقدر عليه الرسل وأتباعهم ، ودلالته بالأنبياء وكتبهم ، كقوله تعالى : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (الرعد ٧) ، وقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى ٥٢) ، فأثبت لهم الهدى الذى معناه : الدلالة والدعوة والتنبيه ؛ وتفرّد الله تعالى بهدى المعونة الذى معناه : التأييد والمعونة والتوفيق من الله مباشرة ، فقال لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص ٥٦) ، يعنى أنه صلىاللهعليهوسلم لا يخلق الإيمان فى قلوبهم ، فنفى هدى المعونة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأثبته لنفسه لكل الناس ، المؤمنين والكافرين على السواء ، كقوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (لقمان ٥) ، وقوله : (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (يونس ٢٥). والهدى : هو الاهتداء ، ومعناه راجع إلى معنى الإرشاد كيفما تصرفت. وقد تراد الهداية بمعنى إرشاد المؤمنين ، كقوله : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ) (محمد) ، وقوله : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (الصافات) ، أى فاسلكوهم إليها. وعموم الهداية أنواع ، الأول : أن يؤتى الله من يهدى القوى التى يتمكن بها من الاهتداء ، كالقوة العقلية ، والحواس الظاهرة والباطنة ؛ والثانى : أن يعرّفه الدلائل الفارقة بين الحقّ والباطل ، وبين الصلاح والفساد ، كقوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد ١٠) ؛ والثالث : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، كقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (الأنبياء ٧٣) ، وقوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) (الفتح ٢٨) ، وقوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى) (النحل ٨٩) ؛ والرابع : أن يكشف عن بصائرهم ويريهم الأشياء على حقيقتها بالوحى والإلهام والكشف ، ويختص بذلك الأنبياء والأولياء ، كقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام ٩٠) ؛ والخامس : أن الهداية هى الدلالة بلطف ، ولذلك لا تستعمل إلا فى الخير ؛ والسادس : أن الهداية قد تتعدى نفسها كما فى قوله : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (العنكبوت ٦٩) فقد تتعدى بالحرف «اللام» أو «باللام» كقوله (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ