وإن اجتمع التدبير والوصية بالعتق ، تساويا ، وقد يقدّم التدبير. ويعتق المدبّر بعد الموت من ثلث المال ، والمدبّر لا يرث ولا يورث لأنه لا مال له ، وأما المكاتب فإن مات وله ما يورث ، ورثه ورثته بعد أداء بقية كتابته لسيده إن كان عليه منها شىء. وفى الإسلام الآن لا يوجد رقّ ولا رقيق ، ولا مكاتب ، ولا عتيق ، ولا مدبّر ، وصار الناس جميعا أحرارا ، إلا ما تحاول الرأسمالية أن تحييه باستغلال العمال وطبقة الفلاحين والطبقة المتوسطة ، واسترقاق هؤلاء جميعا لمصلحة الاستعمار الجديد والإمبريالية العالمية. والله المستعان.
* * *
١٢٤٨ ـ العقل والتعقّل والمتعقلون
يخاطب القرآن أصحاب العقول ، ولذا يأتى فيه دائما «أفلا تعقلون» مثلما فى الآية (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤) ، والآية (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٧٣) من سورة البقرة. والعقل يأتى فى القرآن ٤٩ مرة ، وفى اللغة يقال عقال البعير لأنه يمنع عن الحركة ، والمعقل هو الحصن المنيع. والعقل نقيض الجهل. والمسلمون على القول بأن العقل ليس بقديم ولا معدوم ، فلو كان معدوما لما اختص بالاتصاف به الإنسان دون غيره ، ولما تباين الناس بشأنه ، وقد ثبت وجوده ، ولكن يستحيل القول بقدمه ، لأنه لا قديم إلا الله. والعقل mind خلاف الذهن brain ، وخلاف المخ cerebrum ، فالعقل هو قوة الإدراك ، والذهن قوة الفهم فى العقل ، والمخ قطعة اللحم فى الدماغ بها خصائص الإدراك والحسّ ، وهو مكان العقل والذهن. ومن الفلاسفة من يقول إن الذهن فى المخ ، والعقل فى القلب ، أو أن العقل بخلاف القلب ، فالعقل يدرك ، ولكن القلب يفقه ، والعقل لا يقسو ، وإنما الذى يقسو ويرحم ويشفق هو القلب. وقد يقال للعقل النفس ، وهى التى مناطها الفجور والتقوى ، ومنها النفس اللّوامة ، والمطمئنة ، والراضية ، والأمّارة بالسوء. والعقل الذى هو مناط التكاليف الشرعية : هو العلم بوجوب الواجبات العقلية ، واستحالة المستحيلات ، وجواز الجائزات والضروريات ، ويمتنع أن يقال عاقلا من لا علم له أصلا ، أو عالما من لا عقل له أصلا. والقرآن عند ما يوجه الخطاب لذوى العقول ، إنما للحضّ على إدراك الحقائق ، وأحيانا يخاطبهم باسم (أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٩) (الرعد) ، واللّب هو العقل الخالص من الآفات والجهل ، وكل لبّ عقل ، وليس العكس. وأحيانا يخاطبهم القرآن باسم «أولى النّهى» كقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (٥٤) (طه) ، والنّهى هو العقل عند ما يكون عمله النّهى عن القبيح وكل ما ينافى العقل. وتنفرد العربية باسم «النّهى» حيث لا نظير له فى اللغات الأوروبية ، وقد يماثله عندهم السوبر إيجوSuperego أو الأنا الأعلى ، وعند كنط هو