وأما «أثارة العلم» فى قوله : (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) (الأحقاف ٤) ، فإن الأثارة هو خط كانت تخطه العرب فى الأرض أو الرمل ، فمن وافق خطه فذاك ، وهو نوع من ضرب الرمل والودع ، فيخط الخط ثم يلقى الودع ، فإن جاء على يمين الخط فخير ، وإن جاء على يساره فشر ، ثم إن كل ودعة لشىء ، فواحدة معروفة بشكلها للحظ ، وثانية للمرض ، وثالثة للعدو ، وهكذا ـ ومثل ذلك «قراءة الفنجان» ، و «قراءة خطوط اليد».
* * *
١٢٤٦ ـ الظلم والظالمون
الظلم لغة : هو وضع الشيء فى غير محله ؛ وفى الشريعة هو التعدّى عن الحقّ إلى الباطل ، ويقال : ظلمه أى جار عليه وفعل له الظلم ، والجور من الظلم ، تقول : جار عن الشيء أى مال عنه ، وجار عليه ظلمه ، والجائر هو الظالم ، وفى التنزيل : (وَمِنْها جائِرٌ) (النحل ٩) أى حائد عن الحقّ ، وهؤلاء هم أهل الأهواء وملل الكفر. والفرق بين الظلم والجور أن الظلم جور أشد ، وهو طمس لنور الحق ، ومنه كانت الظلمات ، بمعنى ذهاب النور ، كقوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) (٢٠) (فاطر). وقيل : الظلم : هو البطش والاستيلاء ، والأخذ بغير حق ، ومجاوزة الحدّ ، وهو درجات ، ومنه الأشد ، كقوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان ١٣) ، وقوله : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) (النجم ٥٢) ؛ والظلّام : هو الكثير الظلم كقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (آل عمران ١٨٢) ، لأن الظلم يستحيل على الله ، فلا ملك ولا حقّ لأحد معه ، بل هو الذى خلق المالكين وأملاكهم وتفضّل عليهم بها ، وعهد لهم الحدود ، وحرّم وأحلّ ، فلا حاكم يعقبه ، ولا حقّ يترتب عليه. وقيل : الظلم نقيض العدل والقسط والحق ، والله تعالى وصف نفسه بالعدل وبالحق ، وقال عن نفسه : (قائِماً بِالْقِسْطِ) (آل عمران ١٨) ، والعادل والحقّ من أسمائه تعالى وليس الظالم ، والإنسان مركوز فيه الظلم ويوصف به : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان ٢٧) ، وتوصف به الجماعة كما فى الدعاء : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) (النساء ٧٥) ، وفى قوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ) (الحج ٤٥). والظلوم : هو الكثير الظلم ، مثله مثل الظلّام ، كقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم ٣٤) ، وقوله : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب ٧٢). وظلم الإنسان للغير قد يكون له ما يبرره ، وإنما غير المبرر ظلمه لنفسه ، كقوله : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) (الأعراف ٢٣) ، وقوله : (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) (النمل ٤٤) وظلمه لنفسه أن يعميها فلا تبصر الحق ، ويصمها فلا تسمعه ، ويوردها موارد الهلكة. والظالم