ويحل الظلم محل العدل ، ويسرى ذلك من الحكومات إلى الناس فيكون الفساد عاما ، وهو حال بلادنا ، والاعتقاد الشائع فيها أن لا قضاء لمصلحة إلا بالشفاعة والرشوة. وبهذا المعنى تستحيل الشفاعة على الله ، لأن ما يقضى به إنما هو تابع لحكمته وعلمه وعدله والحق الذى هو اسمه. وهذه الشفاعة التى يتعلق بها السفهاء قد نفاها الله يوم الحساب ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) (البقرة ٢٥٤) ، وفى ذلك نفى تام لأى نوع من الشفاعة ، بل هو القسط والميزان : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٤٧) (الأنبياء ٤٧).
وقد ذهب البعض إلى القول بالشفاعة للمسلم الذى ينطق بالشهادة وإن زنا أو سرق ، وينفى القرآن ذلك البتة فى الآية : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (النساء ١٤) ، فالعاصى إذن فى النار مخلدا ، وليس ما يقولون أنه يدخل لفترة ثم يقر فى الجنة بعد أن ينال جزاءه ؛ وكذلك القاتل : لا يعذّب لبعض الوقت وإنما هو مخلّد فى النار ولا شفاعة فيه ، كقوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (النساء ٩٣). والظالمون كذلك : لا شفاعة لهم ، وهم مخلّدون فى النار : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (غافر ١٨) ؛ وكذلك المنافقون : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (التوبة ٦٨). وإذن فلا استثناء لأحد بدعوى الإسلام أو غيره ، وإنما الحساب والميزان : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) (الكهف ٤٩) ، (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (يونس ٦١) ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨) (الزلزلة) ، رفعت الأقلام وجفّت الصحف.
* * *
١٢٣٩ ـ الصابئة فرقة نصرانية يهودية
وهم الصابئون أيضاSabeans ، ويأتى ذكرهم فى القرآن ثلاث مرات بصيغ مختلفة ضمن فرق أخرى ؛ فى الأولى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة ٦٢) ، وتنبّه الآية إلى أن الاسم لا يهم ، وإنما المهم أن هؤلاء كانوا مؤمنين بالله وباليوم الآخر ويعملون الصالحات ، وبناء عليه لهم ثوابهم عند الله ولا خوف عليهم ولا هم يصيبهم القلق على أنفسهم ؛ وفى الثانية : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ