فى الترتيب قبل البصر دليل فضل السمع عليه ، فالسمع يدرك من الجهات الست ، وفى النور والظلمة ، ولا يدرك البصر إلا من الجهة المقابلة ، وبواسطة من ضياء وشعاع. وفى أسماء الله الحسنى يأتى أنه «سميع بصير» إحدى عشرة مرة ، وأنه «سميع عليم» ٣٢ مرة ، وأنه «سميع قريب» وذلك دليل أكيد على فضل السمع على البصر.
* * *
١٢٣٧ ـ السحر
السحر أصله التمويه بالحيل والتخاييل ، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعانى ، فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هى به ، كالذى يرى السراب من بعيد فيخيّل إليه أنه ماء ، وكراكب السفينة السائرة حثيثا أو القطار ، يخيل إليه أن ما يرى من أشجار وجبال تسير معه. والسحر يشتق من الفعل سحر أى خدع ، والسحر خداع ، والتسحير مثله ، وقوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (الشعراء ١٥٣) ، أى الذين وقعوا ضحية السحر حتى فسدت به عقولهم. والسحر : هو الاستمالة ، فمن يسحرك يستميلك ، وقوله تعالى : (نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (الحجر ١٥) أى سحرنا فذهبت معارفنا وحلّت محلها تخيلاتنا. والسحر لا ينطلى إلا على أشخاص بأعينهم ، يتميزون بالاستهوائية والتجاوب السريع. ومن السحر ما يكون خفة يد كالشعوذة ، ومنه ما يحفظ كلاما كالرقى. وسمى الرسول صلىاللهعليهوسلم الفصاحة فى الكلام واللسان سحرا فقال : «إن من البيان لسحرا» ، لأن السامع يضل بكلام المتكلم عن الحق فيظن الباطل حقا ، وهو قول يخرج مخرج الذمّ للبلاغة والفصاحة إذ يشبّهها بالسحر. وقيل خرج مخرج المدح للبلاغة والتقليل للبيان ، والأول أصحّ ، بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض» ، وقوله : «إن أبغضكم إلىّ الثرثارون المتفيقهون» ، والثرثرة هى كثرة الكلام ، والثرثار كثير الكلام ، والمتفيقه مثله.
ومن السحر ما يدّعون به تغيير صور الناس ، وقطع المسافات ، والطيران فى الهواء ، وكان ذلك فى الماضى لسذاجة الناس ، والآن قد يفعله العلماء بالتكنولوچيا وليس بالكلام. وبعض أهل الدين يؤمنون بالسحر ويدّعون أن له حقيقة ، وأصحاب العقل وأولو النهى يرفضونه ويصفونه بالتمويه والتخييل ، وفى القرآن قال : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (طه ٦٦) ، ولم يقل تسعى على الحقيقة وإنما قال : «يخيل إليه» ؛ وقال أيضا : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) (الأعراف ١١٦). ومن السحرة فنانون فى سحرهم ، وفى القرآن صنفان : (ساحِرٌ كَذَّابٌ) (ص ٤) ، و (ساحِرٍ عَلِيمٍ) (الأعراف ١١٢) ، والأول : هو النصّاب ، والثانى : هو هذا الفنان فى سحره ، وهناك ثالث : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) (يونس ٢) يعنى