١٢٣٦ ـ السمع والأبصار والأفئدة
هذه الجوارح الثلاث هى أهم الجوارح فى الإنسان ، ورئيسها الفؤاد أو القلب ، وهو أشرف الثلاث ، والقلب موضع الفكر ، وقد يتأثر بالسمع والبصر لما بينها جميعا من ارتباط هو ارتباط الظاهر بالباطن ، فالقلب للباطن ، والسمع والبصر للظاهر. والسمع فى الترتيب يأتى أولا ، لأننا نسمع أولا ، فإذا سمعنا توجهنا بالبصر إلى ما نسمع ، فإذا سمعنا وبصرنا عقلنا ، والعقل بالفؤاد ، قال تعالى : (أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل ٧٨) ، فعند ما نولد لا ندرك ولا نعلم ، ثم يأتى الإدراك والعلم من بعد. وفى السمع إثبات النطق ، لأن من لا يسمع لا يتكلم ، وإذا وجد السمع وجد النطق. واستوجبت النّعم الثلاث الشكر على من يسمع ويبصر ويعقل ، فإذا لم يعقل ويشكر فإنما لفساد القلب ، وبالتالى فكأنه لم يسمع ولم يبصر : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) (النحل ١٠٨) فتعطّل السمع والبصر نتيجة لتعطّل القلب ، وهذا هو معنى : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) ، كقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (البقرة ٧) ، فالختم يكون على القلوب وعلى السمع ، والغشاوة تكون على الأبصار ، ومعنى الختم على القلوب عدم الوعى بمخاطبات الله بالتفكير فى آياته ؛ ومعنى الختم على السمع عدم فهم ما يتلى عليهم من آيات الله ، أو الدعوة إلى وحدانيته ؛ ومعنى الختم على الأبصار عدم هدايتها للنظر فى مخلوقاته وعجائب مصنوعاته ، ولا أقل فى هذه الحالة من أن يوظّف السمع والأبصار ، والحسىّ عموما ، لرصد ما يصنعه كل إنسان ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (فصلت ٢٠). ويزعم المستشرقون : أن القرآن جعل الأبصار جمعا ولكنه وحدّ السمع ، وكان يجب أن يجمع الأسماع؟ والجواب : إنما وحّده لأنه مصدر يقع للقليل والكثير ، وهو اسم للجارحة المسموع بها سمّيت بالمصدر. ويأتى السمع مع الأبصار عشر مرات فى القرآن ، ولم يأت السمع مع البصر إلا مرة ، كقوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (الإسراء ٣٦) ، وفى المرات العشر فإن لكل قلب وبصر ما يشغله ، ولذا كان التعبير عنها بالجمع ، فإن كان السمع للجميع واحد ، نقول سمعا ولا نقول أسماعا. وفى الحديث عن هذه الجوارح باعتبارها أعضاء أوردها مفردة ، فالفؤاد فى الآية كجارحة يسأل عمّا افتكر فيه واعتقده ، والسمع والبصر عمّا رأى من ذلك وسمع ، وعبّر عن السمع والبصر والفؤاد «بأولئك» ، لأنها حواس مستقلة لها إدراك ، وجعلها فى هذه الآية مسئولة ، وجعل لها وللجلود ـ وهى من الحواس أيضا ـ شهادة. ومجىء السمع