وفى الحديث أيضا : «لمّا خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة». وقال : «أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس ، وجعل الله لهم عقولا كنملة سليمان ، وأخذ عليهم العهد بأنه ربّهم ، وأن لا إله غيره ، فأقرّوا بذلك والتزموه ، وأعلمهم أنه سيبعث إليهم الرسل ، فشهد بعضهم على بعض ، وأشهد عليهم السموات السبع ، فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عليه العهد».
وهذا هو معنى الذرّ ومقاصد النظرية فيه ، ومعنى التكليف حتى والإنسان لم يزل فى الذرّ ، ومرامى المسئولية المترتبة على هذا التكليف. وانفرد القرآن بعرض هذه النظرية التى لا مثيل لها سواء فى اليهودية أو فى النصرانية ، تلخص الخلق كله ، والفطرة التى عليها الإنسان ، والصراع فيه بين الإيمان والكفران ، والخير والشرّ ، والأخذ بمنهج الرحمن أو بمنهج الشيطان.
* * *
١٢٣٠ ـ صلاة المنافقين
بيّنتها الآية : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٤٢) (النساء) ، فمن صلّى كصلاتهم ، وذكر كذكرهم ، لحق بهم فى عدم القبول ، وخرج عن مقتضى قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢) (المؤمنون).
* * *
١٢٣١ ـ ذو الحجر
ذو الحجر فى الآية : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥) (الفجر) هو ذو العقل أو اللّب ، وذو الحلم ، وذو الستر ؛ والحجر بمعنى العقل ، وهو استخدام جديد ليس فى اللغات اللاتينية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والروسية والعبرية إلخ ، وعند ترجمته إلى أى منها يترجم بأنه العقل. وأصل الحجر هو المنع ، فيقال لمن يملك نفسه ويمنعها : إنه لذو حجر ؛ ومنه سمّى الحجر لامتناعه بصلابته ؛ ومنه قولنا : قضت المحكمة بالحجر على فلان ، أى منعه من التصرف فى أمواله وأملاكه ؛ ومنه كذلك الحجرة لامتناع ما فيها بها. وفى الآية : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) (الأنعام ١٣٨) أنها أنعام محرّمة ، وحرث ممنوع ؛ وفى الآية : (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٢) (الفرقان ٢٢) أى حجر الله عليهم البشرى وحرّمها عليهم ، بمعنى أن الملائكة تقول لهم نعوذ بالله منكم ، والعرب يقولون إنه لذو حجر ، إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها ، كأنه حجر عليها ويمنعها. فهل رأيت الآن كم