الله وتقواهم ، لأن دار الدنيا هى دار الأعمال ؛ وإما أن دار المتقين هى الدار الآخرة ، كقوله تعالى : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل ٣٠) ، فلما عملوا الخير فى الدنيا ، نالوا عليه ثواب الآخرة ، فكانت لهم الجنة دارا. وقيل دار المتقين فى الآخرة هى (جَنَّاتُ عَدْنٍ) (النحل ٣١).
* * *
١٢٢٩ ـ الذرّ النظرية فى القرآن
هذه النظرية لم يسبق إليها علم من العلوم ، ولا كتاب من الكتب ، وتأتى بها الآية : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (الأعراف) ، ويوم الذرّ : هو اليوم الذى أخرج الله فيه الناس جميعا فى هيئة ذرّ من ظهر آدم ـ أى فى هيئة هباء ، وواحدته الذرّة ، والجمع ذرّات ، وهى الجزء المتناهى فى الصغر ، ويعنى أن الناس كانوا فى ظهر آدم بالإمكان ، كما تكون الشجرة مبادئها فى البذرة بالإمكان ـ أى أن خلايا آدم كانت مبرمجة ومشفّرة على أنها تحتوى على إمكانات هذه الذرية أو هؤلاء الآدميين ، فكأن وجود البشرية هو وجود دائم ، ولكنه بالإمكان ، أى إمكان أن يوجد ، فإذا خلقنا وصوّرنا الله ، وصرنا أجنة وولدنا ، تحوّل الإمكان إلى أعيان ، وصار وجودنا وجود أعيان ، أى وجودا متحققا ، فقبل الشجرة تكون البذرة ، والبذور إمكانيات للأشجار ، وهكذا فى الإنسان وفى كل شىء. ويوم الذرّ من الأيام التى يقول بها القرآن ، وفيه أخذ الله العهد على بنى آدم وهم ذر بعد. وقيل : هذه الآية مشكلة ، وفيها كلام كثير ، وتحتاج إلى التأويل ، ويفهم منها : أن الله تعالى أخرج من ظهور بنى آدم بعضهم من بعض ، وذلك هو التناسل ، والتكاثر بالنسل ، ويكون معنى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (الأعراف ١٧٢) أنه دلّهم بخلقه على توحيده ، لأن كل بالغ صار يعلم ضرورة أن له ربّا واحدا ، فلما سألهم : ألست بربّكم؟ شهدوا على أنفسهم ، وأقرّوا بذلك. وقد يفهم من الآية : أنه سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد ، وجعل فيها المعرفة ، وفى الحديث أنه تعالى : «أخرج الأشباح فيها الأرواح من ظهر آدم» ، وعن عمر فى الحديث عن الرسول صلىاللهعليهوسلم : «أن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ؛ ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون» ، والحديث يعنى أنه خلقهم فى الإمكان ، فالناس صنفان : صنف لأعمال أهل الجنة ، وصنف لأعمال أهل النار.