يلقونه فى قابل الأيام : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) (الفتح ١٦) ، وفى الآية إشارة إلى من يكون على أمة الإسلام أن تدفع عن نفسها أذاهم من الأمم المعادية ، أمثال : الفرس ، والرومان ، والإنجليز ، والروس ، والفرنسيين ، والأسبان ، والأمريكان ، وغيرهم ، فأما والأمر كذلك مع هؤلاء المتقاعسين ، وأى متقاعسين من بعد ، فالأولى أن لا يكون الاعتماد عليهم ، وأن يسقطوا من الحساب عند كل لقاء مع أعداء الله : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (التوبة ٨٣). وفى الحديث أن المسلمين لا يستعينون فى قتالهم بكافر ، فهذه حربهم وليست حرب غيرهم ، والذى يقاتل مجاهدا إنما قتاله من أجل بيضة الإسلام ، وكى تعلو كلمة الله ، والقتال يستلزمه الإيمان ، وما كان الأعراب على شىء من الإيمان : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات ١٤) ، فلما نطقوا بالشهادتين أسلموا ولكنهم لم يؤمنوا ، فالإيمان يتطلب أكثر من الشهادتين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١٥) (الحجرات) ولم يكن إسلام الأعراب إلا قولا بلا عمل ، فلمّا استنفرهم للقتال والإنفاق جهارا فى سبيل الله ، تخلّفوا ، وزادوا على ذلك بادّعاء الإيمان ، فصحّحت الآية دعواهم ، وجعلوا يمنّون على الرسول صلىاللهعليهوسلم وعلى المسلمين ، فجادلهم بالحسنى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (الحجرات ١٧) ، فلمّا حلفوا أنهم صادقون فى إيمانهم قال تعالى : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحجرات ١٦).
وتلخيصا لما سبق فإن المصطلحين «عربى» ، «وأعراب» من مصطلحات الحضارة والثقافة ، ومصطلح «الأعراب» كما وصف به المنافقون من البدو ، ما يزال من الممكن أن يوصف به أصحاب الثقافة الضحلة والتبعية الغربية من المستشرقين العرب من تلاميذ المبشّرين ، ومن دعاة العولمة والأخذ بالأسلوب الأمريكى فى الحكم والأخلاق والاقتصاد والسياسة والاجتماع والأدب ، فهؤلاء رعاع المثقفين ، وبهم جفاء فى الطبع ، وشك مريب ، والحذل والحقد يملأ قلوبهم على كل ما هو مسلم ، ودوافعهم فى السلوك فردية ولا يؤمنون بالقومية العربية ، وهم الذين يدلّسون علينا إمكان ولاء مزدوجى الجنسية ، وخصخصة الأملاك العامة ، وإلغاء مجانية التعليم ، وقصر التعليم العالى على الأغنياء ، وتشجيع