وتلك إذن نظرية الاصطفاء عند هؤلاء وأولئك وعند المسلمين من بعدهم ، والله تعالى لا يمكن أن يختار إلا المتّقين والصالحين والأخيار ، وذلك من معانى الإسلام. واللافت للانتباه أن إبراهيم لمّا أراد أن يجعل النبوة فى ذريته ، دعا ربّه بها لهم ، فقال تعالى فى جواب دعائه : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة ١٢٤) ، واليهود والنصارى لا عهد لهم مع الله لأنهم ظلموا ، ولا يصلح الظالمون للاصطفاء أو الاختيار أو الاجتباء ، لأنه مقصور عقلا وعرفا وشرعا على أهل العدل والإحسان والفضل.
* * *
١٢٠٦ ـ الأعراب والعرب
العرب هم الجنس العربى الذى لغته وقوميته العربية ، ومنهم العرب العاربة : وهم العرب الخلّص ، ويقابلهم العرب المستعربة أو المتعرّبة وهؤلاء لم يكونوا عربا فى الأصل ، ثم سكنوا بلاد العرب ، وتكلموا العربية ، ويقال تعرّبوا : أى تشبّهوا بالعرب. والعرب عموما ينسبون إلى يعرب بن قحطان ، أو أنهم سمّوا عربا لأنهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم ، ونشئوا فى عربة من تهامة فنسبوا إليها ، وكثيرا ما ينسب الناس إلى الأماكن مثلما ينسبون إلى الجدود. وكانت قريش تسكن عربة وهى مكة ، وانتشر سائر العرب فى الجزيرة العربية. وأما الأعراب : فهؤلاء هم العرب الرحّل ، وثقافتهم أقل ، ويعيشون فى بداوة وجهالة. والموجود بالقرآن مصطلحان : «عربى ، وأعراب» ، ويتكرر الأول إحدى عشرة مرة ، ويوصف به اللسان : (لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل ١٠٣) ، وينعت به القرآن : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (يوسف ٢) ، وينسب إليه الحكم : (أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) (الرعد ٣٧). والنسبة به للثقافة والحضارة وليس للانتماء السلالى أو الوراثى الجينى. وكذلك مصطلح «الأعراب» ، فإنه يتكرر عشر مرات ، ويدل على فئات من العرب أقل حضارة وثقافة ، وهؤلاء عانى منهم المسلمون بسبب ضحالة معارفهم وانحطاط ثقافتهم الدينية والأخلاقية والاجتماعية ، والإشارة بالمصطلح «الأعراب» تحديدا إلى فئة من كان يسكن من البدو حول المدينة فى زمن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فرغم أنهم اعتنقوا الإسلام ، إلا أنهم لم يعرفوه حق المعرفة ، ولم يمارسوه كما ينبغى ، وكان من الواضح أن اعتناقهم له كان طلبا للسلامة ، وطمعا فيما يمكن أن يعود به الإسلام عليهم من المكاسب ، كالمنعة والصدقة والفيء ، وجاء فى وصفهم فى القرآن : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) (التوبة ٩٧) ، فكانوا الأشد كفرا ونفاقا من المنافقين ، والأشد جهلا فى أمور الدين ، وكان أذاهم الأكثر ، لأنهم كانوا الأقسى قلبا ، والأجفى قولا ، والأغلظ طبعا ، والأبعد عن سماع التنزيل ،