مصدّقا لما معهم. ٣ ـ ولا يكونوا أول كافر به. ٤ ـ ولا يشتروا بآياته ثمنا قليلا ـ يعنى أن يتقوا الله فيما أنزل عليهم من التوراة ، ولا يحرّفوها لفوائد يحصّلونها ومطامع يجتنوها ٥ ـ ولا يلبسوا الحق بالباطل ، ويكتموا الحق وهم يعلمون ٦ ـ وأن يقيموا الصلاة التى تركوها. ٧ ـ ويؤتوا الزكاة التى أهملوها. ٨ ـ ويركعوا مع الراكعين ، فلا يستكبرون. ٩ ـ ولا ينسوا أنفسهم وهم يأمرون الناس بالبر. ١٠ ـ وأن يستعينوا على طلب الآخرة بالصبر والصلاة ، والصبر هو الصيام والكفّ عن المعاصى. فلم يرقب اليهود فى الناس إلّا ولا ذمة ، ونقضوا العهد والميثاق ، واشتروا بهما ثمنا قليلا ، وادّعوا أنهم لن تمسهم النار إلا قليلا ، وقالوا على الله ما لا يعلمون ، وسفكوا الدماء ، وقتلوا النبيين ، وسمعوا وعصوا ، فهل هؤلاء مصطفون؟ وهل يمكن أن يقع عليهم اختيار واصطفاء؟ وتفسير اليهود للاصطفاء لذلك مغلوط ، فالمصطفون متّقون أولا ، ومتقون آخرا ، ثم يكون اصطفاؤهم بناء على ما يظهرون من الإخلاص ، وبقدر ما لهم من الصلاح.
وأما النصارى فصاحبهم بولس ، الذى وصفوه بأنه المصطفى ، يقول عن نفسه «حدث لى انجذاب» (أعمال الرسل ٢٢ / ١٧) ، وكان فريسيا ابن فريسى (أعمال الرسل ٢٣ / ٦) ، يعنى كان من المنافقين ، وقالوا فيه «مفسد ومثير فتنة وإمام لشيعة الناصريين» (الفصل ٢٤ / ٥) ، وكان عنصريا شديد العنصرية ، فكانت دعوته لليهود أولا ، فلما فشل دعا الأمم (رومية ١ / ١٦) ، وهو الذى نشر الفرية أن المسيح ابن الله (رومية ٥ / ١٠) ، وسنّ التشريع بتحريم طلاق النساء ، (رومية ٧ / ٢) ، واستن عدم الزواج (كورنتس ٢٩) ، ودعا أن تكون المرأة للبيت (تيموتاوس ٥ / ١٤) ، وأن تخضع النساء لرجالهن كما للربّ (إفسس ٥ / ٢٢) ، وأطلق على نفسه رسول الأمم (رومية ١١ / ١٣) ، وقال لا أخوّة مع الكفرة بالمسيح ، ولا تتخذوا إخوانا من الكفرة (كورنتس ٦ / ١٤) ، وأمر باعتزال كل منكر لألوهية المسيح ، ووصف المنكرين بالنجاسة (كورنتس ٦ / ٧٧) ، وحذّر من الفلسفة إذا كانت على غير مقتضى المسيح ، يعنى أرادها فلسفة دعائية (كولسى ٢ / ٨) ، وقال عن النصارى أنهم أبناء الموعد ، وفرّق بين أبناء الأمّة هاجر وأبناء الحرّة سارة ، وأبناء الأمة هم غير النصارى ، وأبناء الحرة هم النصارى ، ونادى اطردوا الأمة وابنها فإن ابن الأمة لا يرث مع ابن الحرة! والطرد كأمر للنصارى يعنى طردهم من البلاد ، ولا ميراث لهم فى السماء ، مع أن النصارى ـ وهم ليسوا يهودا ـ هم أبناء أمّة بالوراثة الجسدية ، إلا أنه قال إن المسيح حرّرهم (غلاطيه ٤ / ٢٥ ـ ٣١)!! ـ فهل هذا كلام مصطفين؟ وإنما الاصطفاء عند النصارى ـ ومن قبلهم اليهود ـ أن الاختيار لهم غير مبرر ، فهذه إرادة الله ومشيئته ، حتى لو كان اختياره عن غير حق.