الرسالة والنبوة. ومنهم مريم بنت عمران ، قال فيها : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (آل عمران ٤٢) ، ومبرر اصطفائها : أنها كانت صدّيقة ، وشهد لها بالصدّيقية (المائدة ٧٥) ، (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (١٢) (التحريم). واصطفى كذلك طالوت على قومه ، وبيّن لهم مبررات اصطفائه ، وهى بسطته فى العلم ، والعلم ملاك الإنسان ، وبسطته فى الجسم ، وهو معينه على شدائد تزعّمهم ، والقيادة لهم فى السلم والحرب ؛ ومن فقه ذلك عند المسلمين كانت نظريتهم فى الإمامة ، أن كل رئيس أو أمير ، أو إمام ، ليس له أن يتبوأ مكانته من قومه إلا إذا كان مستحقا لها بأمرين ؛ هما : العلم والقوة ، والعلم يشمل سائر المعارف والدين ، والقوة بدنية ، ونفسية وعقلية ، ولا حظ للنسب مع العلم والقوة ، ومع الفضائل النفسية والعقلية ، واللياقة البدنية ، وعند المسلمين تتقدم هذه الصفات على النسب ، وقد أخبر تعالى أن اختيار طالوت كان لعلمه وقوته ، وإن كان غيره أشرف انتسابا ، وأكثر مالا ، وأحظى اجتماعا. وقال تعالى فى المصطفين تبريرا لاصطفائه لهم ، إنهم أولو أيد وأبصار (ص ٤٥) ، وأولو الأيدى : يعنى أولى القوة ، وأولو الأبصار أى أصحاب علم وعقل وبصبرة فى الحق ، ومن أجل ذلك اختارهم ، وقال فيهم : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (ص ٤٧) أى المختارين المجتبين الأخيار ، فلأنهم أخيار كانوا مختارين ، ومنهم كما قال : (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ) (ص ٤٨). والاختيار ، والاصطفاء ، والاجتباء بمعنى واحد ، يقول تعالى : (هُوَ اجْتَباكُمْ) (الحج ٧٨) أى اختاركم واصطفاكم ، غير أن الاختيار من الخيرة ، وفيه أن يتوافر الخير فى المختار ، بينما الاصطفاء هو اختيار من يصافيك وترى فيه الإخلاص والود ؛ والاجتباء : هو أن تختار الأصلح ترى فيه أنه تجتمع له أحسن وأفضل الخصال لما تختاره له ؛ وأى هذه المصطلحات يأتى فى القرآن فهو لما يناسبه ؛ وأما فى اليهودية والنصرانية ، فالطاعة لله لم تكن قبل الاصطفاء بل كانت بعده ، فلما اصطفاهم أطاعوا ، على عكس الإسلام ، فإن المسلمين كانوا أولا من أهل الطريقة ، وفيهم الخير والفضيلة ، فاختارهم الله وفى الحديث أن خير الناس فى الإسلام كانوا أيضا خير الناس فى الجاهلية .. وأما اليهود فيقولون مثلا أنهم «شعب الله المختار» : اختارهم واصطفاهم وعاهدهم أن يعطيهم من بعد إبراهيم جميع أرض كنعان ملكا مؤبّدا (تكوين ١٧ / ٧ ـ ٨) ، فمهما فعلوا من آثام فالعهد معهم قائم لا ينفصم ، بينما المسلمون يذهبون إلى أنه لا عهد مع الله إلا للمتقين ، وفى القرآن : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (البقرة ٤٠) ، فما هو عهده لهم؟ والجواب من القرآن ومن جماع التوراة : ١ ـ أن يرهبوا الله تعالى ٢ ـ ويؤمنوا بما أنزل