تبعهم ، فهم سالمون ويعيشون فى سلام ، ولقد سلموا من عذابات الحشرجة عند الموت وفى القبر ، وعند العرض ، وبعد الحساب ، فعسى أن يكون غيرهم من المسلمين مثلهم.
* * *
١٢٠٥ ـ الاصطفاء فى القرآن والتوراة والإنجيل
الاصطفاء : هو الاختيار ، والمصطفى هو المختار ، من أسماء النبىّ صلىاللهعليهوسلم ؛ وفى النصرانية يقولون هو لقب بولس الرسول ، وقالوا اسمه عبد الله ؛ والصفوة من كل شىء هى خالصه وخياره. والاصطفاء فى اليهودية من عند الله ، وبلا سبب يبرره ويفهمه الناس ، والنصارى اعتنقوا نظرية اليهود فى الاصطفاء ، وعندهم أن الله يختار من عباده من يستصفيه لنفسه من جنس البشر ، ولا معقب على اختياره ، وعند اليهود قد يرى الله أنه أساء الاختيار ، ويأسف على أنه أصفى أحدهم ، وسمّوا ذلك «البداء» ، ويعنى أنه تعالى «بدا له» ، أى تراءى له ثم رجع فيه. وفى الإسلام بخلاف ذلك تماما ، فالاصطفاء يأتى بكثرة فى القرآن واستخدمه ١٣ مرة ، وفى الآية : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران) ، أى اختارهم على سائر أهل الأرض ، وهو اختيار مبرّر وليس بلا سبب ، وفى حالة إبراهيم مثلا يأتى فيه : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) (البقرة ١٣٠) ، أى اخترناه للرسالة ، فلما اخترناه أصفيناه ، أى فجعلناه صافيا من الأدناس ، فكان ذلك مبررا لاختياره : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (البقرة ١٣١) ، فيكون المعنى : اصطفيناه لمّا قال له ربّه أسلم ، فقال أسلمت لربّ العالمين ، ومعنى أسلم أخلص دينك لله بالتوحيد ، فكان إبراهيم من المصطفين ، باختياره الإسلام لنفسه دينا. وآدم اصطفاه ، فخلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له الملائكة ، وعلّمه الأسماء ، وأسكنه الجنة وأهبطه منها ، وحكمة ذلك كله كانت أبلغ الحكم ، وكان بها خلق العالم والناس ، فكان التاريخ ، وكانت الحضارات ، وعرف الإنسان العلوم والفنون والآداب ، والمعارف واللغات ، والصنائع ، فكان مبرر اصطفاء آدم أن كان وذريته أهلا لكل ذلك. ونوحا اصطفاه وجعله أول رسله لمّا عبد الناس الأوثان وأشركوا ، وظل يدعوهم ليلا ونهارا ، وسرّا وجهارا ، فلم يزدادوا إلا فرارا ، فدعا عليهم ، فأغرقهم الله ، ولم ينج منهم إلا من تبعه على دينه. وكان مبرر اصطفاء نوح أنه صاحب حكمة ، ترى أن لا يذر على الأرض من الظالمين ديّارا ، أى واحدا ، لأن الضالين سيضلّون غيرهم لو استمروا فى البقاء ، ولن ينسلوا إلا فجّارا وظلمة مثلهم. وأما آل إبراهيم فكان منهم : إسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط إلخ ، فثبتت لهم الوراثة الروحية ، فاصطفاهم كذريّة للمصطفين ، يحملون بعدهم