من الملائكة فى الإخبار عنها عند ما أمره الله بذلك. وأهمية الاسم أن له مسمى ، وما ليس له مسمى فهو اسم باطل : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) (النجم ٢٣) ، والاسم الحقيقى هو ماك ان له مسمى حقيقى ، واسمه تعالى : «الله» حقيقى ، بدليل أن ليس له شبيه له اسمه ، كقوله تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (مريم ٦٥). وهذه الأسماء التى نوّه القرآن بها لتعليم آدم ونقله من الحيوانية إلى الإنسانية ، ومن الجهالة إلى العلم ، هى التى جعلت الفلاسفة من رهبان النصارى يتساءلون حولها فى العصور الوسطى ، لمّا ازدهر بينهم تعلّم اللغة العربية وترجمة معانى القرآن ، فقالوا بفلسفة سمّوها الأسمائية أو الاسميةnominalism ، من الأسماءnominae ، وقالوا فى تعريفها : هى إشارات المعانى فى العقل ، وليست سوى أصوات تخرج مع النّفس flatus vocis ، فإذا جرّدت المعانى من إشاراتها لم يتبق منها فى العقل شىء ، وإذن فالأفكار هى الأسماء ، والاستدلال هو الاستخدام الصحيح للأسماء فى مواضعها ، وليس هو الانتقال من معان إلى معان أخرى ، وعلى ذلك فالأسمائية فى القرآن كأنها «وضعية منطقيةlogical positivism» أو «واقعيةrealism» ، والفرق بين وضعية القرآن وبين «الوضعية المحدثة» أن الأخيرة تنفى وجود الله باعتبار أن اسم الله لا يقابل شيئا موجودا فى الواقع ، وهو قصور ذهنى واضح عند الوضعيين المحدثين من أمثال بلومبرج ، وفايجل ، وزكى نجيب محمود ، وآير ، ورايل ، وكارناب ، فالله قد ثبت وجوده بالخبرة ، وبالتجربة ، وبالواقع ، أو بالدليل والمنطق والبرهان. ولقد أفلست الأسمائية لمّا انحرف بها الأسمائيون إلى القول بأنه «لا وجود إلا للأسماء» ، سواء فى العقل أو خارجه ، وهو النقيض الكامل لما جاء به القرآن ، فكل اسم تعلّمه آدم له مسمّى ، أطلعه عليه الله تعالى ، وأشهده على عين مسمى الاسم ، فليس اسم إلا وله المسمّى ، وهذه هى الوضعية المنطقية التجريبية الإسلامية ، كقولك زيد قائم ، فالاسم هو المسمى ، أى يراد به المسمى ، ومع ذلك فقد يراد بالاسم التسمية ، كقولك أسد ثلاثة أحرف ، فلم نرد بأسد المسمى ؛ وأما قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣١) (البقرة ٣١) فإنّ «كلها» للإحاطة والعموم وليس للتعديد والخصوص ، ونفهم من الآية : أن اللغة تعلمها الإنسان فطرة من الله ، وهو معنى قولنا إن اللغات توقيف من الله ، وأن الإنسان أول ما يتعلم عن الأشياء أسماءها ، وأن هذه الأسماء لا تكون أسماء لها إلا إذا كانت توصيفا لمنافع الأشياء ، وأنه فى تعلّم الأسماء ، فإن ما ييسره أن تصنّف الأسماء بحسب أجناس الأشياء ، وباعتبار منافعها. ونفهم من قوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) أن تعلّم الأشياء لا يصلح له إلا إذا كانت