الشك : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) (غافر ٣٤) ، والارتياب : هو الشك ، وهو من الأمراض النفسية المقيتة ـ إن لم يكن أشدها جميعا ، ويصيب من يأتيه بالبارنويا ، وهى مرض الشك ، وكان فرعون موسى مثلا قرآنيا لهذا النمط المسرف من أنماط الشخصية المريضة : (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٨٣) (يونس ٨٣) ، وعلوّه ترفّع عن عباد الله ، وكان مسرفا فى ترفّعه واستكباره واستعلائه. والمسلمون مأمورون أن لا يسرفوا ، والإيمان يمنع من الاستكبار ، ويحول بين المسلم وأن يسرف ، والإسراف رذيلة كما أن الاستكبار رذيلة ، والذى يوغل فى الإثم ويرتكب المعاصى حتى السرف ، ثم يتوب ويستغفر ويعمل صالحا ، ولا ينبغى أن ييأس من إسرافه السابق ، بقوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر ٥٣) ، وليس فى القرآن أوسع ولا أرجى من هذه الآية ، وفيها كل الأمل لمن أسرف على نفسه ، فلا يأس مع رحمة الله ، والقنوط فى الآية معناه اليأس ، إلا أن اليأس أشد درجة من القنوط ، فاليأس قطع الأمل بالكلية ، بينما فى القنوط يصاب المرء بالإحباط وينتابه القلق ، ويعذّبه ضميره ، ولكنه ما يزال يرجو عفو الله ، ولذا كان قوله تعالى للمسرفين : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (الزمر ٥٣) فالأمل فى الله أكبر من كل رذيلة!
* * *
١٢٠١ ـ الأسماء والأسمائية فى القرآن والفلسفة
الأسماء منّة الله على آدم وبنيه ، والأسماء هى الأحجار التى كان بها الصرح الفكرى للحضارات والمدنيات ، وتتركب الأسماء من الحروف الأبجدية ، وتكتمل منّته تعالى على الإنسان بأن يعلّمه القراءة والكتابة ، قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) (العلق) ، فلمّا خلقه تعالى من علقة مهينة ، أكرمه حتى صار عاقلا ، فعلّمه أن يقرأ وأن يكتب ما لم يكن قد علم ، فذلك هو آدم بذرة الخلق ، يتكرر دوما فى كل ابن وبنت له ، كصورة منه ، فلو لا فطرة الله فى آدم ، أورثها چينات بنيه ، لما كان كل ما نعرفه من العلوم والفنون والآداب والصنائع ، حفظها الله تعالى فى الكتب فلا تندرس المعارف ، ويتكرر فى القرآن اسم الكتاب بهذه الصفة ٢٣٠ مرة ، وهو ما لم يأت فى أية ديانة ، وكان من إعلاء القرآن للقراءة والكتابة أنه أطلق عليه اسم «القرآن» و «الكتاب». وأطلق على اليهود والنصارى «أهل الكتاب». وتتكون كل اللغات من الأسماء والأفعال والحروف ، والأسماء هى الأصول ، والأفعال والحروف أوصاف وأحوال لها ، ولو لا أن علّم آدم الأسماء لكان أعجز