تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥) (البقرة) واستهزاؤه بهم هو استدراجهم بمزيد النعم. والاستدراج : ترك المعالجة ، وأصله النقل من حال إلى حال كالتدرّج ، ومنه الدرجة وهى المنزلة بعد المنزلة ، واستدرجه يعنى استخرج ما عنده قليلا ، ويقال استدرجه ودرّجه أيضا. والإملاء مثل الاستدراج يكون على مهل ، يقال أملى له أطال له ، والملاوة المدة ، والملوان الليل والنهار.
* * *
١١٩٩ ـ استفتاح الرسل واستفتاح الجبّارين
الاستفتاح : هو الاستنصار أو الدعاء بالنّصرة : يقول تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (إبراهيم ١٥) ، وفى الرواية : أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ، أى يستنصر بهم ، والرسل كانوا يستفتحون ، وكذلك الجبارون والأمم الفاسدة ، كهذا الاستفتاح : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (الأنفال ٣٢) ، ومثل هذا الاستفتاح : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (الأعراف ٨٩) ، ومثل قوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٧) (الأعراف) إلخ.
* * *
١٢٠٠ ـ الإسراف
الإسراف : هو التبذير ، وقد نهى الله تعالى عنه فقال : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف ٣١) ، فما جاوز الحدّ والاعتدال فهو سرف وإسراف ، ومن كان معه جنية فأنفقه فى سبيل الله كان مسرفا ، ومن أنفق عشرة قروش فى معصية الله كان مسرفا ، وقيل : لا خير فى السرف ، ولا سرف فى الخير ، وهذا ضعيف ، لأن ثابت بن قيس لمّا جذّ نخله وقسم ثمره على الناس ، ولم يترك لأهله شيئا ، نزلت الآية : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام ١٤١) ، أى لا تعطوا أموالكم كلها فتقعدوا فقراء. والأكل والشرب واللّبس حلال ما لم يكن سرفا أو مخيلة. والله قد أمر بالقصد فى كل شىء ، فقال فى النفقة : (إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) (الفرقان ٦٧) ، وقال لوليّ الدم : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) (الإسراء ٣٣) ، وقال فى المتطيّرين : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (يس ١٩). ولأن الإسراف رذيلة ، فإن من يكون مسرفا يضطر إلى مداراة إسرافه ، فيكذب ويسرف فى الكذب ، كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (غافر ٢٨) ، ومثله الشكّاك ، فأمره جميعه إلى الشك فى كل شىء ، حتى ليسرف فى