من سبيل لخلع الوالى الجائر إلا باليد ، أو باللسان ، أو بالقلب ، وأضعف الثلاثة التغيير بالقلب ـ وهو «عدم التعاون» مع «حكومة الجور» ، و «عدم التعاون» بمثابة العزل للطاغية والإسقاط لحكومته. والمستخلفون : إذا استقاموا على أمر الله ، واجتنبوا السيئات ، ولم يستحوذوا على السلطة ، ولم ينفردوا بها ، ولم يمالئوا المستعمرين ، وسمحوا بتداول السلطة ، والنقد ، وحرية التعبير ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وسمحوا لمن يقوم بذلك من الشعب أن يقوم به ، كانوا كقوله تعالى فى أمثالهم : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) (الحج ٤١) ، وهذا هو المعنى الحقيقى للاستخلاف فى الأرض ، فإقامة العدل ، والعمل بالصلاح ، يترتبان على استعمار البشر للأرض بعد إنشائهم منها : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) (هود ٦١) ، والاستعمار : هو التمكين والتسلّط بقصد الإعمار وليس التخريب ، والإعمار : قوامه زيادة فى الصلاح بقصد زيادة الانتفاع ، وكل ذلك فى حدود أوامر الله ونواهيه. و «الخليفة فى الأرض» : هو النائب عن الله فى أرضه ، لأنه لم يعرف مالك للأرض إلا الله ، ومن يملكها لبعض الوقت ويرحل عنها ليس بمالك ، المالك هو المالك الدائم ، وهو الله ، والنيابة عنه فيها لا بد لذلك أن تكون فى حدود ما سخّر الله منها للبشر ، وما سلّطهم عليه ، وما خوّلهم استغلاله ، فهو إذن ليس استخلافا مطلقا يفعلون بمقتضاه كيف شاءوا بلا قيد ولا شرط ، وإنما هو ليعبدوه ، ويوقّروه ، ويتّقوه ، ويهتدوا بهديه كما جاء فى الآيات السابقة ، وأن لا يعبدوا الشيطان ، وأن يقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر إلخ. وبديهى أنه إذا انتقض من هذه الواجبات أو الشروط بطلت الخلافة أو النيابة أو الوكالة عن الله ، وبطل أى عمل من هذا الخليفة أو النائب الذى يخرج عن حدود شرع الله ، سواء كان هذا العمل حكما من الأحكام ، أو قرارا من الإدارة ، أو له مدخلات فى السياسة ، أو الاقتصاد ، أو الثقافة ، أو التربية والتعليم ، أو له متعلقات بمسائل الشرع والدين.
* * *
١١٩٨ ـ الاستدراج والإملاء
فى تعريف الاستدراج ، الحديث : «إذا رأيتم الله يعطى العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك منه استدراج» رواه أحمد والطبرانى والبيهقى. وفى القرآن فى الاستدراج : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥) (القلم) ، وهو الأخذ على غفلة ، وإسباغ النّعم مع نسيان الشكر ، وكم مستدرج بالإحسان إليه ، وكم مفتون بالثناء عليه ، وكم مغرور بالستر عليه ، فكلما جدّد معصية جدّدت له نعمه ، كقوله