تعمّ المسلمين والمشركين ، وأما القتال فهو للكافرين. وقال ابن الجوزى : إن بعضهم زعم أن آية : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) منسوخة بقوله بعد ذلك : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، وهذا الزعم لا يصدر إلا ممن لا يفهم الناسخ والمنسوخ ، لأن معنى الآية أن من جازى مسيئا فليجازه بمثل إساءته ، ومن عفا فهو أفضل ، فكيف تنسخ هذه الآية تلك؟
والآية : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (٤١) : قيل : نسختها الآية بعدها : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣) ، وهذا غير صحيح ، لأن الآية الأولى تثبت جواز الانتصار ، وهذه تثبت أن الصبر أفضل.
والآية : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) (٤٨) : قيل : نسختها آية القتال ، ولا تعارض بين الآيتين ، ولا نسخ هناك.
* * *
١١٦٣ ـ من سورة الزخرف
الآية : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٨٣) : قيل : إنها منسوخة بآية السيف التى تقول : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة ٥) ، والصحيح أنها محكمة ، لأنها واردة للوعيد ولا تعارض بينها وبين آية السيف ، ولم يلتفت الذين قالوا بالنسخ إلى قوله تعالى : (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة ، ومن غير المعقول أن تنسخ آية تتوعد الكفار بملاقاة هذا اليوم!
والآية : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٨٩) : قيل : نسختها آية السيف التى تقول : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة ٥) ، والصحيح أن الآيتين محكمتان فلا ناسخ ولا منسوخ ، وكل آية لها سياقها ومستدعياتها ، والآيتان لا تتعارضان ، لأن القتال له مجاله ، والصفح أيضا له مجاله ، وكلاهما مختلفان. ولم يصحّ عن الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الآية منسوخة ، ثم إنها تتوعد المشركين ، وتأمر الرسول بالإعراض عنهم ، لأنهم سيعذّبون فى الآخرة لإصرارهم على الشرك ، ولإيذائهم للرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا تعارض بين الأمر بالصفح عنهم فى مكة ، والأمر بقتال أهل الكتاب والمشركين فى المدينة.
* * *
١١٦٤ ـ سورة الدخان
الآية : (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩) : قيل : نسختها آية السيف ، مع أنه لا تنافى بين الآيتين ، لأن ارتقاب عذاب المشركين إما أن يقع هذا العذاب عند القتل ، أو عند الموت ، أو فى الآخرة ، وليس فى هذا نسخ.
* * *