بن الخطاب الموت لمّا طعن فى السن فقال : «اللهم كبرت سنى ، ودقّ عظمى ، وانتشرت رعيتى ، فاقبضنى إليك غير مفرط ولا مضيّع» ، والكبر فى السن ليس ضرا وإنما هو شىء طبيعى يأتى حتما فى سن معينة ، وفى حديث عمر نتبين حبّ لقاء الله ، وفى مثل ذلك كان الحديث : «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» ، وفى الآية إذن ، والأحاديث سواء عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أو عن عمر لا تعارض ولا نسخ ولكنها جميعا تكمل بعضها البعض ، ولكل معناه ومناسبته ومجاله.
* * *
١١٣٩ ـ سورة الرعد
الآية : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (الرعد ٦) : زعموا أنها منسوخة بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (النساء ٤٨ و ١١٦) ؛ وقالوا : إن ظلم الناس كما يفهم من سياق الآية هو الشرك ، ومع ذلك لا تتعارض الآيتان ، فالآية الأولى تفيد أنه تعالى يغفر للمشرك إن رجع عن شركه وأناب إلى الله ، وأما المصرّ فإنه شديد العقاب له على كفره ، والآية خبر ، ومثلها فى ذلك مثل الآية الثانية التى تفيد نفس المعنى ، فكيف يقال إن إحداهما منسوخة والأخرى ناسخة وكلاهما خبر؟ ثم إن سورة الرعد كان ترتيبها فى التنزيل العاشرة فى السور المدنية ، والنساء ترتيبها السادسة ، ولا ينسخ المتقدم المتأخر.
* * *
١١٤٠ ـ سورة الحجر
الآية : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٣) : قالوا : إنها منسوخة بآية السيف ، والصحيح أنه لا نسخ هناك ، لأن الآية وعيد وتهديد وذلك لا ينافى قتال الكافرين ، فلا وجه للنسخ.
والآية : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٨٥) : قيل : هذه الآية فى كفار مكة ، وتحضّ النبىّ صلىاللهعليهوسلم على أن يصفح ويتجاوز عنهم ، ويعفو عفوا حسنا ، مثل قوله : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (١٠) (المزمل) ، ثم نسختها آية السيف التى تقول : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة) ، أو الآية : (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (النساء ٩١) ، والصحيح أن الآيتين محكمتان ولا نسخ هناك ، فلقد أمره بالصفح فى حق نفسه فيما بينه وبينهم ، والصفح هو الإعراض ، وهذا فى أهل النفاق ، وأما آية السيف ففي المشركين الذين بدءوا المسلمين بالقتال وعادوهم.