والآية : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (التوبة ٣٦) : قيل : الآية أمر بالقتال ، و «كافة» معناها «جميعا» ، وقالوا : كان الغرض بهذه الآية قد توجّه على الأعيان أن يقاتلوا ، ثم نسخ ذلك ، وجعل القتال فرض كفاية. وهذا المعنى غريب ، لأنه لم يعرف أبدا فى سيرة النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنه ألزم الأمة كلها النّفر ، وإنما معنى الآية الحضّ على القتال ، والتحزّب ضد العدو ، وجمع الكلمة ، وقيّد ذلك بقوله : (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) ، فبحسب قتالهم واجتماعهم ضد المسلمين يكون فرض اجتماع المسلمين لهم.
والآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) (التوبة ٣٨) : قيل : نسختها الآية : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (التوبة ١٢٢) ، ولا نسخ هناك ، لأن الآية الأولى توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج ، والآية الثانية تنظم هذا الخروج ولا تجعله على الأعيان وإنما فرض كفاية.
والآية : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (التوبة ٣٩) : قيل : نسختها الآية : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (التوبة ١٢٢) ، وهذا غير صحيح ، فالآية الأولى تتحدث عن عقاب من لا ينفر ، والآية الثانية تنظّم النفر فلا تجعله على الأعيان وإنما فرض كفاية.
والآية : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (التوبة ٤١) : قيل : نسختها الآية : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) (التوبة ٩١) ، وهى تسقط التكليف عن العجزة وغير القادرين ، وكما ترى أن ذلك استثناء لا ينسخ الآية ؛ وقيل الآية نسختها الآية الأخرى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) (التوبة ١٢٢) ، والآيتان محكمتان ، ولكلّ مجاله ، والآية الأولى تتحدث عن نوع النفر ، والآيتان الثانية والثالثة تستثنى من النفر المعذورين ومن لا يسعهم النفر ممن يضطرون للبقاء ، ونفرهم فى هذه الحالة محلى فى نفس المكان ، للدفاع عن المؤخرة ، وضمان الإمداد والتموين للجيش المتقدّم ، ولتنظيم أمور الدولة داخليا.
والآية : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٤٥) : قيل : نسختها الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (النور ٦٣) ، وهذا غير صحيح ، لأنه فى الآية الأولى كان الاستئذان بغير عذر فى ذلك الوقت ، من علامات النفاق ؛ وفى الآية الثانية ، أمر الله تعالى المؤمنين بالاستئذان لأنه لا يكمل إيمان من آمن إلا بأن يكون من الرسول سامعا غير معنّت ، فيريد الرسول إكمال أمر ما ، ويريد المؤمن إفساده بأن يستأذن فى أمر يستوجب أن يتواجد الجميع ، فالآيتان تكملان بعضهما البعض ، فواحدة تأمر بالاستئذان بعذر ، والثانية تجرّم الاستئذان بغير عذر.