١١٣٦ ـ سورة التوبة
الآية : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢) (التوبة) : قيل : الآية منسوخة ، ونسختها : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (التوبة ٣) ، ولا نسخ هناك ولا تعارض ، فالآية الأولى فيها مدة العهد أربعة أشهر ثم الحرب ، وانقضاء العهد انسلاخ الأربعة الأشهر الحرم.
والآية : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) : قيل : هذه آية السيف ، قيل نسختها الآية : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (محمد ٤) ، وقيل بل هى ناسخة لهذه الآية الأخيرة ، ولا يجوز فى الأسارى من المشركين إلا القتل. والصحيح أن الآيتين محكمتان ، لأن المنّ والقتل والفداء جميعها لم تزل فيهم من أول حرب حاربهم فيها الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو يوم بدر. ثم إن قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (التوبة ٥) أمر بالقتال ، وقوله : (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) (التوبة ٥) أمر بالأسر ، فإذا وقع الأسير فى يد من بيده الأمر ، فهو مخيّر ، إن شاء منّ عليه ، وإن شاء فاداه ، وإن شاء قتله صبرا ، أىّ ذلك رأى فيه مصلحة للمسلمين فعل.
والآية : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (٦) : قيل : هذه الآية نسختها آية القتال التى تقول : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة ٥) ، فليس صحيحا أن حكم هذه الآية باق مدة الأربعة الأشهر التي ضربت أجلا للمشركين ، فقد جاء رجل من المشركين إلى علىّ بن أبى طالب وقال له : إن أراد رجل منا أن يأتى محمدا بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله ، أو يأتيه بحاجة ، قتل؟ فقال علىّ : لا! لأن الله تبارك وتعالى يقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) ، فهذا هو الصحيح ، والآية محكمة.
والآية : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٧) : قيل : نسختها آية السيف ، والصحيح أنه لا تعارض بين الآيتين ، حيث أن الآية الأولى ليس فيها أن الذين عاهدوا عند المسجد الحرام نكثوا وظاهروا المشركين ، لأن معناها أن هؤلاء ما أقاموا على الوفاء بعهدهم للمسلمين ، فسيقيم المسلمون على الوفاء بعهدهم لهم ، فلا نكث هناك ، وعلى ذلك فلا نسخ.