السيف : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة ٥) ، والهدى ما أهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة ، والقلائد كل ما علق على أسنمة الهدايا وأعناقها ، وهى سنّة البقر والغنم ، والصحيح أن الآية لم تنسخ لأن الذى يهدى ويقلّد مسلم ، فلما ذا يحسب ضمن المشركين؟ وإن كان المقصود الكفار القاصدين البيت الحرام على جهة التعبّد والقربة فإنه لم يعد لمشرك أن يدخل المسجد الحرام ، بقوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) (التوبة ٢٨) ، والصحيح أن الآية محكمة ولم تنسخ ، وهى فى المسلمين ، وقد نهى الله عن إضافة من يقصد بيته الحرام من المسلمين ، والنهى عام فى الشهر الحرام وفى غيره ، وخصّ الشهر الحرام بالذّكر تعظيما وتفضيلا.
والآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة ٦) : قالوا : إنها توجب الوضوء عند كل صلاة ، ثم نسخ بالسنّة عام الفتح فلم يعد الوضوء واجبا وإنما إذا أحدث ، وهذا غير صحيح ، لأن الآية توجب الوضوء على الذين ليسوا على وضوء وليس على من هم على وضوء. وقيل : الوضوء فرض بعد حدث ، وهو ندب لمن كان على طهر ، ولذلك كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يتوضأ لكل صلاة قبل فتح مكة ، ثم صلى يومئذ الصلوات كلها بوضوء واحد ، ليعلّم أمته أن ما كان يفعله من تجديد الطهر لكل صلاة ، إنما كان منه أخذا بالأفضل ، لا على أنه كان فرضا واجبا.
والآية : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) (المائدة ١٣) : قيل : نسختها آية السيف التى تقول : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (النساء ٩١) ، أو الآية : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) (الأنفال ٥٨) ، والصحيح أنها لم تنسخ ، ولا تعارض بين الآيتين ، ولكل آية معناها ومجالها. وهذه الآية تدعو إلى العفو عن اليهود من بنى النضير الذين همّوا أن يقتلوا النبىّ صلىاللهعليهوسلم حينما جاءهم يستعينهم فى دية العامريين ، فأطلعه الله على ما بيّتوا النية عليه ، وبيّن أن هذه هى طريقتهم فى الغدر والخيانة فى أولهم وآخرهم ، ولا تزال تطّلع منهم على الخيانة والغدر ونقض العهد. والعفو والصفح هو عين الظفر كقول القائل : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، لعل ذلك يؤلف قلوبهم ويهديهم إلى الإسلام. وهل كان يمكن حينئذ فعل شىء أكثر من ذلك ، وخاصة أنه لم يؤمر وقتها بقتالهم؟ فلا موجب إذن للنسخ ، فإن اختلفت الأمور من بعد واستوجبت معاملة مختلقة معهم فليس هذا بنسخ للآية ، لأنها متوافقة مع ظرفها ، وكل آية فى مجالها وسياقها صحيحة ومحكمة ، وللرسول صلىاللهعليهوسلم أن يعفو عنهم فى غدرة فعلوها طالما أنهم لم ينصبوا حربا ، ولم يمتنعوا عن أداء الجزية.