والآية : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ...) (المائدة ٣٣) : قيل : إنها نزلت فى العرنيين فى السنة السادسة للهجرة ، وكانوا قد قتلوا رعاة النبىّ صلىاللهعليهوسلم واستاقوا النّعم ، ولما أمسك بهم المسلمون وشرعوا فى الاقتصاص منهم ، نزلت الآية : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٤) (المائدة) فنسخت فعل النبىّ صلىاللهعليهوسلم فيهم ؛ والصحيح أنها لم تنسخ هذا الفعل ، لأن الآية الأولى حكم فى محاربين مؤمنين خرجوا على الإسلام ، والمعول عليه أن من يؤمن بعد القدرة عليه لا يقتل ، إلا أن المحارب المؤمن لا يسقط الحدّ عنه بعد القدرة عليه ، لأنه متّهم بالكذب فى توبته والتصنّع فيها إذا نالته يد القانون ، وعلى ذلك فالآية الثانية لم تنسخ الأولى. ثم إن الآية الناسخة استثناء ، والاستثناء لا يعتبر ناسخا.
والآية : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) (المائدة ٤٢) : قيل : نسختها : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (المائدة ٤٨) أى نسخ التخيير فى الآية الأولى ، وليس ذلك صحيحا ؛ لأن السياق يعنى أن يحكم بينهم بحكم شريعتهم وليس بشريعة الإسلام ـ والكلام عن أهل الكتاب ، وبحسب آية التخيير فالحاكم مخيّر بين أن يحكم بينهم وبين أن يعرض عنهم ، فإن كان الأمر بين مسلم وذمّى فيحكم بالنسبة للمسلم ، وإن كان بين ذميّين فلا يحكم بينهما إلا إذا قبلا ذلك ، وفى كل الأحوال فإن حكم فهو بما أنزل الله ، وإن أعرض لم يخالف أمر الله ، وعلى ذلك فالآيتان تكملان بعضهما البعض.
والآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) (المائدة ١٠٦) : قيل : نسخت : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) بقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (الطلاق ٢). والصحيح أنه لا نسخ ، لأن الآية الأولى خاصة بما إذا نزل الموت بأحد المسافرين وأراد أن يوصى ، فإن الوصية تثبت بشهادة اثنين عدلين من المسلمين أو غيرهم توسعة على المسافرين ، فأما فى الظروف العادية ، فالآية الثانية هى القاعدة.
* * *
١١٣٣ ـ سورة الأنعام
الآية : (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٦٦) : قيل : نسختها آية القتال ، والصحيح أنها لم تنسخها ، وأنها محكمة ، لأنها تخبر أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ليس حفيظا عليهم ، والأخبار لا يجوز أن تنسخ.
والآية : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ